تمدد الكون

تمدد الكون
            

صورة توضيحية باستخدام البالون تمثل تمدد الكون وابتعاد المجرات عن بعضها البعض
فبينما كان أدوين هابل يراقب النجوم بمنظاره... اكتشف أن لون الطيف الصادر من هذا النجم يتحول إلى اللون الأحمر ومعنى هذا حسب نظريات علم الفيزياء الفلكية astrophysics أنه عندما ينقلب لون الطيف الصادر من جسم سماوي (سوبر نوفا) إلى الأشعة الحمراء... فإن هذا يعني أن النجم يبتعد عن الأرض وأما إذا كان هذا النجم يقترب من الأرض فإن الطيف يظهر اللون الأزرق وكان هذا أول اكتشاف لهابل من ناحية حركة النجوم .
وتابع هابل أبحاثة، فاكتشف أن النجوم لا تبتعد عن الأرض فحسب، بل يبتعد بعضها عن بعض .. بما يشبه البالون عند نفخه، أي أنك إذا رسمت نقاطا على البالون ثم نفخته تجد ان النقاط المنتشرة على سطح تبتعد بعضها عن بعض بما يجعلنا نتصور أن الكون كله يشبه ذلك البالون... وهذا يدل على أن هذا الكون في تمدد دائم كل ثانية...
وليس هذا فحسب بل إن الكون يتمدد بسرعة تزيد باطراد... على عكس ما كان يتوقع علماء الفيزياء المتأثرين بقوانين الجاذبية.. إلى أن اقتنعوا بوجود مادة سوداء في الكون لا يرونها وأنها هي السبب وراء تزايد سرعة التمدد...
فهل أخبر القرآن عن ذلك؟
نعم، لقد أخبر القرآن ذلك... اقرأ في سورة الذاريات هذه الآية الكريمة، يقول الحق تبارك وتعالى:
{وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (سورة الذاريات:47)
"And the heaven we constructed with strength and indeed we are its expanders"
إن كلمة موسعون تعني الاستمرارية أي أنها دليل على أن الكون مستمر في التمدد. في حين أن العلماء ما زالوا أمام ثلاث نظريات إحداها تقول بأن كثافة المادة (الكتلة/ الطاقة) في الكون أقل من القيمة الحرجة وبالتالي فإن المجرات افتكت من قوة الجاذبية مما يعني أن الكون سيتمدد إلى ما لا نهاية. فما هي هذه القيمة الحرجة للكثافة؟ إنها تساوي 10 مرفوع للقوة (-29 ) جرام / سم مكعب أي ما يساوي خمس ذرات هيدروجين في المتر المكعب. وهذا يعد قليلا بالنسبة لكثافة الماء التي تساوي 500 بليون بليون بليون ذرة هيدروجين في المتر المكعب.
وأما النظرية الثانية فتقول إن كثافة المادة في الكون تساوي القيمة الحرجة وفي هذه الحالة فإن الكون يتمدد بفعل الانفجار الكوني الأول إلا أنه سيتباطأ إلى أن يصبح معدل التمدد صفرا وهذه تسمى نظرية الكون المسطح.
والنظرية الثالثة فتقول إن كثافة المادة في الكون هي أكبر من الكثافة الحرجة وبالتالي فإن قوة الجاذبية ستتغلب وسيبدأ الكون بالانكماش إلى أن يحصل الانكماش الأول أو ما يمكن التعبير عنه بلغة القرآن بالرتق بعد الفتق.
غيّر قانون تمدد الكون الذي اكتشفه أدوين هابل الطريقة التي كان علماء الفلك والفيزيائيون يفكرون بها، حيث كان الجميع ينظر إلى الكون أنه ساكن بما فيهم أينشتين، الأمر الذي دعاه إلى وضع ثابت التثاقل( عجلة التثاقل) في قانون النسبية العام كاحتياط أن يظهر شيء جديد يغير هذا القانون. وبعد اكتشاف هابل أن الكون يتمدد الكون، كان لابد لأينشتين أن يمحو ثابت التثاقل من قانونه، وقال في هذا الشأن أن "هذه أول مرة أندم فيها على خطأ كبير".
ومن منطلق أن الكون يتمدد... فإنه قابل للانكماش لأن أي شيء قابل للتمدد.. هو قابل للانكماش.. مما يدعونا، من حيث الحساب الكمي(Quantum Mech.) ، أن نعتقد أن الكون كان يوما حجمه مساو للصفر. ومن نفس القانون الكمي لابد وأن تكون طاقتها تساوي اللانهائية.
وحين نعلم أن حجم هذا الكون بدأ من الصفر ، فلابد وأن يكون قد جاء من العدم....!
إذن، لابد وأن يكون هناك خالق لهذا الكون أوجده من العدم..! ويقول تعالى في هذا كله : (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) ( الأنبياء: 104)
وتقول نظرية أينشتين... أن انفجارا حدث لهذه النقطة المتناهية في الصغر نتيجة وجود تلك الطاقة اللانهائية .. يسمي بالانفجار الكوني الأول. Big Bang وسميت هذه النظرية بنفس المسمى (نظرية الانفجار الكوني الأول...Big Bang Theorem..
ومن هذا يسطع تفسير جديد ليفسر سورة الفجر يظهر العلم الحديث ليجدد القرآن ضوءه على العقل البشري المعاصر... بما يواكب خلود هذا القرآن... وهذا ما سنتكلم عنه.. في المقالات المقبلة أن شاء الله.
ولكن هل يمكن أن يكون القرآن قد تكلم عن هذا الحدث العجيب...؟
نعم.. تعالوا معي إلى الآية الكريمة رقم..(30) من سورة الأنبياء
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (سورة الأنبياء:30)

Have not these who disbelieved seen that the heavens and the earth are joined entity before we clove them asunder and we made from water every living thing..? will they not then believe…
 

 
رسم يوضح الانفجار الكوني الأول
الدليل الأول
أثبت العلماء بما لا يدع مجالا للشك أن الكون آخذ في الاتساع عن طريق ما يعرف بالإزاحة الحمراء (Red Shift) لأطياف المجرات. وأن سرعة ارتداد المجرات يزداد كلما بعدت عنا، حتى أن سرعة أشباه المجرات "الكوازرات" تبلغ سرعة ارتدادها حوالي تسعة أعشار سرعة الضوء.. أي قرابة 270.000 كيلو متر في الثانية الواحدة. وإذا كان إثبات أن الكون يتسع يُعد أعظم كشف في القرن العشرين، فإن سبب الاتساع مازال يحير العلماء مع أن الأمر هين إذا اندرج تحت قدرة الله الذى يقول: ((وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)) (الذاريات:47). وبما أن الكون يتسع باستمرار منذ نشأته وحتى الآن فلابد أنه كان في بدايته مضموما؛ أي رتقا.
الدليل الثاني
الإشعاع الكوني الميكرويفي (Cosmic background Radiation)الذي تم رصده. وهذا الإشعاع مصدره الانفجار العظيم. إنها بقايا أصلية تمثل عينة من الانفجار الكوني الأول.
صورة لخلفية الإشعاع الكوني كما تم تصويرها
لقد وعد الحق تبارك وتعالى أن يري الإنسان.. في حال المستقبل آياته ومعجزاته في هذه الكون (الآفاق)، وكذلك في نفسه لأن قوته العظمى تكمن في هذين: آفاق الكون، والنفس البشرية.
لقد وعد الله عبده أن يريه ما كان قد أخفاه عنه في الأيام الخالية.. الذي كان قد بلغ من البعد ما كاد به أن يخفي.. وما كان القرب ما كاد الا يري.
وإن هذه الآيات الإعجازية.. في الآفاق.. قد كانت كائنة، منذ بداية الكون والخلق، أي منذ الانفجار الكوني الأول(Big Bang) ولكنها أغشيت عن أبصارنا.. حتى جاء وقت الاكتشافات العلمية.. فواكب ظهور ووضوح الآية القرآنية الإعجازية مع اكتشاف الآية الكونية.. وذلك حين ظهر التلسكوب في عام 1609م.. وبهذا أرانا الله بوعده الحق الذي كان خفي علينا رؤياه.. فيما مضى.. وهذه التي أشار الحق اليها بكلمة"في الآفاق".
د. حامد الحامد
دكتوراه هندسة الفضاء وباحث متخصص في تفسير القرآن
hamidh_53@yahoo.com
أحدث الاكتشاف الرهيب الذي توصل إليه العالم الفلكي الأمريكي أدوين هابل عام 1929م إلى إحداث تغيير كبيرفي علوم الفضاء. وبسبب هذا الاكتشاف سمي منظار ناسا الشهير فيما بعد باسم (هابل) نسبة إلى هذا العالم.
توصل أدوين هابل بعد ذلك إلى أن الكون يتمدد باستمرار وبسرعة متزايدة. واكتشف أيضاً أن المجرات التي ولدت تبتعد عن مركز الانفجار الأول وكذلك تبتعد عن بعضها البعض. هذا الاكتشاف دفع ببعض العلماء الفلكيين الآخرين إلى التساؤل حينذاك حول صحة هذا الاكتشاف وظن معظمهم بأن هابل قد أخطأ. فالفكرة كلها بدت صعبة التصديق لأن ذلك يستوجب الكثير من التغيير في طريقة التفكير التي كان يتبعها العلماء في نشأة الكون وأن الكون ثابت.


والمتأمل في الآية الكريمة يجد أن ما يراه الإنسان انفجارا عظيما هو بالنسبة لله تعالى فتقا لرتق ... سبحان الله...وهناك عدة أدلة دامغة تؤيد نظرية الانفجار الكوني العظيم وتجعلها حقيقة كائنة وهي :
وأخيرا، يقول تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) (فصلت:53).

أجمل فندق 5 نجوم داخل كهف

أجمل فندق 5 نجوم داخل كهف   
أجمل مبنى سوف يبنى في الصين وهو فندق 5 نجوم ومكون من 19 طابق وتبلغ التكلفه 34 مليون جنيه استرليني ويبلغ ارتفاعه 15 متر فوق سطح الارض وعلى عمق 100 متر تحت سطح الماء مغطى بالزجاج للمشاهدة تحت أعماق المياه وأيضا مطاعم تحت الماء. وسيحتوي على 380 غرفة فاخرة . وستديره سلسلة فنادق انتركونتينال العالمية InterContinental Shimao ، وسيكون جاهز عام 2015 . 







بَدْء الخَلِيقَة حَقِيقَة أَفْحَمَت المُكَابِرِين




هل يُمكن أن تعتقد حقًا أن هذه الحجرة المُرَتَّبَة الأثاث
هي التي قامت بتنظيمه؛ أو أنه قد رتَّب نفسه صدفة
!.
د. محمد دودح

المستشار العلمي بالهيئة العالمية

للإعجاز العلمي في القرآن والسنة

mdoudah@hotmail.com

 

 
ثلاثة باحثين نالوا جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2011
لتأكيدهم توسع الكون وتباعده مما يقطع بأن له ابتداء
.
كل انفجار يبعثر المادة دون نظام؛ فكيف انتظمت عوالم
النجوم والمجرات بلا إرادة واعية وسبق تقدير وقصد
!.

بدء الخلق حقيقة علمية أفحمت المكابرين.
وتُقاس الأبعاد فلكيًّا بوحدة الزمن المناسبة وأقصى سرعة للانتقال؛ وهي حوالي 300 ألف كم, فنقول يبعد القمر حوالي ثانية ضوئية؛ أي المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية, وتبعد الشمس ثمان دقائق ضوئية, وأقرب نجم Alpha Centauri يبعد 4.37 سنة ضوئية, فلا نشاهد أي حدث كوني إذن إلا بعد وقوعه بفترة تتناسب مع بعده عنا, وما نعاينه في الكون من تباعد المجرات البعيدة إنما هو قراءة لحدث وقع في الماضي وليس قراءة لحدث آني, وفي قوله تعالى: "أَتَىَ أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ" النحل 1؛ إعلان صريح بقدوم قوى الدمار وإن لم تصل بعد تسري بأقصى حد مُقَدَّر للسرعة في الخلاء, وهو يزيد قليلا عن سرعة لمح ضوء يُبْصَر في جو الأرض, والحدث الآني إذن محجوب ولا يعلمه سوى المُبدع القدير, يقول العلي القدير: "وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَآ أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" النحل 77.
والقرآن الكريم يؤكد على قرب ساعة الدمار والخراب وموعد الحساب؛ قال تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) الأنبياء 1, وقال تعالى: )َزِفَتْ الْآزِفَة) النجم 57, وقال تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) محمد 18, وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ)الأعراف 187، قال ابن كثير (رحمه الله تعالى): "(وفي كل هذا) يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها كما قال تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوه) النحل 1", ومن الدقة إذن القول بأن الكون على مستوى المجرات البعيدة يبدو للراصد في تباعد وحاله آنيا محجوب, وبدء الخليقة حقيقة علمية قضت للأبد على وهم أزلية المادة وسرمدية الكون؛ وكشفت زيف الإلحاد فطواه الزمن.
 

بدء الخلق حقيقة علمية أفحمت المكابرين.
وتُقاس الأبعاد فلكيًّا بوحدة الزمن المناسبة وأقصى سرعة للانتقال؛ وهي حوالي 300 ألف كم, فنقول يبعد القمر حوالي ثانية ضوئية؛ أي المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية, وتبعد الشمس ثمان دقائق ضوئية, وأقرب نجم Alpha Centauri يبعد 4.37 سنة ضوئية, فلا نشاهد أي حدث كوني إذن إلا بعد وقوعه بفترة تتناسب مع بعده عنا, وما نعاينه في الكون من تباعد المجرات البعيدة إنما هو قراءة لحدث وقع في الماضي وليس قراءة لحدث آني, وفي قوله تعالى: "أَتَىَ أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ" النحل 1؛ إعلان صريح بقدوم قوى الدمار وإن لم تصل بعد تسري بأقصى حد مُقَدَّر للسرعة في الخلاء, وهو يزيد قليلا عن سرعة لمح ضوء يُبْصَر في جو الأرض, والحدث الآني إذن محجوب ولا يعلمه سوى المُبدع القدير, يقول العلي القدير: "وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَآ أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" النحل 77.
والقرآن الكريم يؤكد على قرب ساعة الدمار والخراب وموعد الحساب؛ قال تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) الأنبياء 1, وقال تعالى: )َزِفَتْ الْآزِفَة) النجم 57, وقال تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) محمد 18, وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ)الأعراف 187، قال ابن كثير (رحمه الله تعالى): "(وفي كل هذا) يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها كما قال تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوه) النحل 1", ومن الدقة إذن القول بأن الكون على مستوى المجرات البعيدة يبدو للراصد في تباعد وحاله آنيا محجوب, وبدء الخليقة حقيقة علمية قضت للأبد على وهم أزلية المادة وسرمدية الكون؛ وكشفت زيف الإلحاد فطواه الزمن. 
 
بدء الخليقة حقيقة علمية قضت للأبد على وهم أزلية المادة وسرمدية الكون.
رسم يوضح بدأ الكون بعد الانفجار العظيم الذي يعتبر بداية الكون

المراجع:
• المكتبة الشاملة (آلاف المراجع الإسلامية).
• الموسوعة البريطانية وموسوعة إنكارتا.
• الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت).

المراجع:
• المكتبة الشاملة (آلاف المراجع الإسلامية).
• الموسوعة البريطانية وموسوعة إنكارتا.
• الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت).
بَدْء الخَلِيقَة حَقِيقَة أَفْحَمَت المُكَابِرِين
منذ القدم كان هذا الكون العجيب محط تساؤل الإنسان وفضوله؛ وتردد السؤال: هل صنعت الكون حقًّا مصادفة؟, ودافع المؤمنون بالأدلة العقلية أن الوجود لا يمكن أن يصنع ذاته وإنما يشهد بضرورة المُبدع القدير، وظل الملحدون يُرَدِّدُون مقولة الدهريين بلا أثرة من منطق أو علم أن المادة أزلية؛ موجودة هكذا أبد الدهر, والطبيعة تجدد أشكالها بذاتها, ويكشف القرآن الكريم الأساس الواهي لزعم الدهريين في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ الجاثية: 24, وذكر المتقي المكي في مناقب أبي حنيفة (ص51) مناظرة جرت بين الإمام أبي حنيفة وجماعة من الدهريين الملحدين؛ ونقلت كحكاية وعظية مفادها انتظارهم على شاطئ دجلة بحضور السلطان والحاشية لمجيئه من الشاطئ المقابل ليحاورهم, وبرر تأخره باجتماع بعض ألواح ثبتتها مطرقة بالمسامير بلا طارق وكونت قاربًا من ذاتها؛ اعتلاه وقدم إليهم, فاتهموه بالجنون, فأقام الحجة عليهم بقوله: "كيف تُنْكِرُون صنع قارب بدون صانع ثم تقبلون أن تكون سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج من صنع العبث والوهم والمصادفة!"‏.
وقد جاءت الكشوف العلمية في كل مجالات العلوم شاهدةً للقرآن الكريم بالسبق, وأحدث اكتشاف قد نال أصحابه جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام 2011, وهو يعلن أن الكون على مستوى المجرات البعيدة يبدو في توسع يتسارع مع الابتعاد مما يؤكد أن له ابتداء؛ يعني لحظة خلق, وهو ما أعلنته مسبقا نظرية الانفجار الكبير Big Bang وأكده الاكتشاف الجديد باستخدام وسائل أحدث, وقد أسقط علم الفلك فرضيات الإلحاد التي شاعت في القرن التاسع عشر, وصدمت نظرية الانفجار الكبير الإلحاد بتأكيدها أن للكون ابتداء يُعلن بضرورة الخالق كحقيقة يشهد بها كل الخلق, وأيدت الفيزياء علم الفلك أن في الكون منذ البداية إبداعًا يفوق الوصف وتوازنًا يهز الوجدان وتصميم وتخطيط بإتقان يفوق الخيال لا يمكن أن تصنعه مصادفة, ورغم النزوع الإلحادي اضطر الفيزيائي ستيفن هوكنج إلى الاعتراف في كتابه (تاريخ موجز للزمن) دافعًا الفوضى بقوله (ص 140): ليس كل تاريخ العلم إلا التحقق التدريجي من أن الأحداث لم تقع بطريقة اعتباطية بل تعكس ترتيب ونظام ضمني أكيد"؛ وطعن في الإلحاد بقوله (ص 122): "طالما أن للكون بداية فحتما لا بد من خالق", وبالمثل دفع إتقان التصميم في الكون الفيزيائي روس في كتاب (الكون والخالق) إلى الاعتراف أيضًا بقوله صريحًا (ص 123): "عندما أبحث عن إلحادي لأناقشه أذهب إلى قسم الفلسفة في الجامعة؛ لأنه لم يبق في علم الفيزياء Physics شيء يدل عليه".
وبالمثل قال ألفريد هويل: "تقول نظرية الانفجار الكبير بأن الكون نشأ نتيجة انفجار كبير، ونحن نعلم أن كل انفجار يبعثر المادة دون نظام، ولكن الانفجار الكبير عمل العكس، إذ عمل على جمع المادة وفق تصميم وقدرة فريدة لتشكيل المجرات والنجوم والتوابع ونشأة الإنسان على هذه الأرض"، وقال جورج كرنشتاين: "كلما دقَّقنا في الأدلة التي يقدمها الكون المفتوح الصفحات أمامنا واجهتنا على الدوام الحقيقة نفسها، وهي أن هناك قدرة إلهية خلف بدء الخلق وكافة الأحداث"، وقد كتب السير فِرِيِد هويل Sir Fred Hoyle في مقالة نشرت عام 1981 أن: "احتمال الصدفة في ظهور الوجود بتوجيه رشيد يقارن بفرصة قيام سيل يمر بساحة خردة لتتجمع طائرة بوينج 747 صالحة للطيران", والنتيجة التي يقود إليها العلم والمنطق وليس الإيمان فحسب هي أن كل الوجود قد جاء بتخطيط واعي وقصد أكيد, ومن يظل معتقدًا في عصرنا بالفلسفة المادية بعدما دحضها العلم في كل المجالات العلمية عليه ألا يحسب نفسه من المحققين, قال ماكس بلانك: "ينبغي على كل من يدرس العلم بجدية أن يقرأ العبارة الآتية على باب محراب العلم: تَحلَّى بالإيمان", وقال الدكتور مايكل بيهي: "على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علوم الحياة أسرار الخلية، واستلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم, وتجسَّدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية في صرخة عالية تقول: التصميم المُوَجَّه الرشيد Directed Design Rationally؛ وهو يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الخالق المُبدع", وقد وصف تشاندرا كراماسنغي الحقيقة بقوله: "تعرض دماغي لعملية غسيل هائلة كي أعتقدَ أن العلوم لا يمكن أن تتوافق مع أي نوع من أنواع الخلق المقصود, (ولكني الآن) لا أستطيع أن أجد أية حجة يقبلها العقل تستطيع الوقوف أمام دلائل قدرة الخالق حولنا؛ الآن ندرك أن الإجابة المنطقية الوحيدة لظهور الوجود هي الخلق وليس الخبط العشوائي غير المقصود", وهذا ما يُعلنه القرآن الكريم بجلاء: "سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ. الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ. وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ" الأعلى 1-3.
وقد تجمع اليوم من الأدلة العلمية ما يكفي للقطع بخلق الكون منذ عدة مليارات من السنين، وأن سرمدية المادة وهم، والدليل العلمي يدفعه، وتلاشت الآن تماماً فرضية الكون الأزلي Steady State Theory التي تقول بأن الكون لا مولد له، أي: أنه لا نهائي في الزمان والمكان، رغم أنها كانت هي النظرية المقبولة في الأوساط العلمية حتى منتصف القرن العشرين, ومقتضى الاكتشاف الجديد تأكيد معاينة الآفاق الكبرى للكون في انحسار وتباعد, ومع التباعد تتزايد سرعة الانحسار مثل بالون رُسمت عليه المجرات كنقاط تتباعد مع نفخ البالون, وطالما أن الكون يبدو في توسع فبالعودة للماضي يكون له ابتداء كانفجار توسعت أطرافه له نقطة ابتداء؛ من هنا كانت التسمية بالانفجار الكبير, ولكن التوسعة كانت حين البناء, ومع اكتمال بناء طوابق البيت لا يصح القول بأن الارتفاع والتوسع دائم بلا نهاية؛ فهو أشبه بنفي البداية, والضوء الذي تُصدره المجرات البعيدة محدود السرعة ولذا لا نُعاين من الكون سوى الماضي, وما يبدو من تباعد إنما هو قراءة للماضي البعيد, ولا يمكن لأحد غير الله تعالى معرفة الأحداث الآنية, والمُنزلق إذن قراءة الاكتشاف الجديد على أنه توسع بلا نهاية؛ فهو أقرب لتحايل الإلحاد بالقول بسرمدية الكون ونفي البداية تشكيكًا بحتمية الخالق, وإلاَّ فإن الطرف الأقرب من الكون يُمكننا أن نستطلع فيه مجيء دلائل ارتداد الكون واقتراب النهاية؛ وكمثال تُرصد المَجَرَّة الأقرب مقتربة بسرعة 300 كم\ثانية بخلاف الطرف الأبعد, وإذا كان الطرف البعيد يعاني مما يعانيه الطرف الأقرب ولم تصلنا بعد شواهد اقترابه لبعده الشديد؛ فإن الكون فعلا في ارتداد, والنهاية في اقتراب تمضي بأقصى سرعة مقدرة للانتقال وتأتي بغتة؛ سبقتها شواهد الارتداد لتطوى صفحة الكون المُشَاهد.
ولا يفوت المُتَأَمِّل أن التعبير عن التوسع برفع السماء جاء بصيغة الماضي لفعل (الرفع) بلا استثناء؛ مما يقصر التوسع على وقت البناء ويعارض التوهم بالاستمرار بلا نهاية, يقول تعالى: (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ" الغاشية 17و18، ويقول تعالى: (وَالسّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) الرحمن 7، ويقول تعالى:(اللّهُ الّذِي رَفَعَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) الرعد 2، وجاء التعبير عن الرفع بلفظ الخلق بالماضي بيانا لتكامل البناء في قوله تعالى: (خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) لقمان 10، إنه إذن عمل كامل والبناء تام التشييد, والسماء اليوم مرفوعة ومترابطة الأركان, وقد ورد بيان خلقها بالماضي بفعل (البناء) كذلك بلا استثناء, يقول تعالى: أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا) ق 6، ويقول تعالى: (وَالسّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا) الشمس 5، وفي قوله تعالى(وَالسّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونالذاريات 47؛ فعل (البناء) بالماضي يفيد التكامل, والصيغة (مُوسِعُونَ) من السعة في القدرة, وهي غير الصيغة (مُوَسِّعُون) من التوسعة في الحيز؛ أي نوسعها دومًا, وقوله تعالى (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ)البقرة 236؛ يُرَجِّح أن لفظ (مُوسِعُونَ) أي قادرون على إعادتها كما هو قول جمهور المفسرين مصداقًا لقوله تعالى(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) الأنبياء 104, قال ابن عباس (رضي الله تعالى عنهما): "(وإنا لموسعون): لقادرون", وقال مجاهد: "معناه يسع قدرتنا أن تخلق سماء مثلها", وقال الرازي: "وبناء السماء دليل على القدرة على خلق الأجسام ثانيا", وفي تفسير قوله تعالى: (أَأَنتُمْ أَشَدّ خَلْقاً أَمِ السّمَآءُ بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوّاهَا)النازعات 27و28؛ تعبير رفع السمك بالماضي يعني التوسع في مرحلة التكوين قبل أن يستقر الكون ويكتمل البناء, قال ابن كثير: "قوله تعالى (بناها) فسره بقوله (رفع سمكها فسواها) أي جعلها عالية البناء.. مكللة بالكواكب (والنجوم)", وقال الرازي: "المراد برفع سمكها شدة علوها", وقال السيوطي: "رفع بنيانها", وقال أبو السعود: "رفع سمكها.. أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض.. مديدًا", وقال الألوسي: "فالمعنى جعل ثخنها مرتفعا في جهة العلو", فتأمل الدقة في التعبير عن قضايا تتعلق بالكون الكبير تفوق أفق المعرفة في بيئة التنزيل؛ وبتلطف لا يلفت عن الغرض!, ويكفي القرآن الكريم لفت النظر إلى شواهد بدء الخلق على مستوى الكون الكبير ليستبين الفطين قدرة الخالق, قال تعالي: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ 29 العنكبوت: 20, ويكفي إعلان القرآن عن خفايا التكوين قبل أن يدركها بشر كدليل حاسم على التنزيل, وهكذا يجد المُتَأَمِّل في الكتاب الكريم من المضامين ما يسبق بكشف قصة الخلق على مستوى آفاق التكوين على نحو يتفق تمامًا مع الكشوف العلمية مصداقًا لوعد أكَّده القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ فصلت: 53.
وعندما يكون مصدر موجة صوتية أو ضوئية مقتربًا تتضاغط أمامه الموجات ويتزايد ترددها بينما تتخلخل إذا كان مبتعداً, ويُعرف هذا بتأثير دوبلر Doppler Effect, وبرصد انحراف خطوط الطيف نحو الجانب الأحمر Red Shift اكتشف إدوين هابل Edwin Hubble عام 1929 أن المجرات العظمى تبدو في تباعد تتزايد سرعته مع البعد بمعدل ثابت سُمِّيَ بثابت هابل Hubble Constant, ومع بلوغ سرعة التباعد قيمة سرعة الضوء لا يُشاهد الضوء القادم ويَتَعَيَّن حد الكون المُمْكِن الرَّصد؛ وبالتالي يُمكن تقدير عمر الكون وفق قانون هابل (عمر الكون = {سرعة الضوء × مليون} \ثابت هابل), وباعتبار ترواح قيمة ثابت هابل بين 30 و20 كم\ثانية يكون عمر الكون في حدود 10 إلى 15 بليون سنة, وفي عام 2001 قَدَّر تشارليس بينيت Charles Bennett للكون العمر: 13.75 بليون سنة, ومن العجيب أن تُستنتج نفس القيمة تمامًا إذا اعتبرت أيام الخلق الستة في القرآن الكريم تمثيل لمراحل متطاولة يُمكن تقسيمها لمراحل ثلاث كل مرحلة تُمَثَّل بيومين, وأن العمر الجيولوجي للأرض 4.75 (4.5 - 5) بليون سنة, واكتمالها منذ حوالي 0.25 بليون سنة؛ فيكون بدء الخلق منذ: 13.75 بليون سنة, بينما استنتج الأسقف جيمس أوشرJames Ussher (1581-1656) من الأسفار أن بدء خلق العالم ليلة الأحد 23 أكتوبر عام 4004 ق.م, واختار القس لايتفوت Lightfoot (1602- 1675) عام 3929 ق.م؛ أي بعد نشأة الحضارة بقرون.
وخلاصة القول أنه منذ إعلان هابل Hubble عام 1929 أن المجرات العظمى تبدو في تباعد يتناسب تسارعه مع البعد؛ تأكد أن الكون كان مكدَّسًا في حيز ضئيل ذو حرارة هائلة ليس لها في الكون الحالي مثيل، وتأيد بدء الخلق باكتشاف بنزياس وولسن عام 1973 لإشعاع يتناسب مع شدَّة الحرارة عند الابتداء سموه الخلفية الإشعاعية Background Radiation, وجاء الكشف العلمي الجديد مؤيدًا لبدء الخلق, وحينئذ لم تكن قد وُجِدَت بعد تنوُّعَات؛ لا جسيم ولا ذرة ولا مجرة، لم يكن سوى حركة جسيمات أولية في عجل؛ اهتزاز في الخلاء بأقصى سرعة، فسموها حالة التفردSingularity ، ولك أن تتساءل مذهولاً: أي قدرة مُفزعة خَلَقَت في نهاية المطاف من عَجَل إنسانًا؛ حيث لا أجسام عند الابتداء سوى العَجَل!، وأي رهبة تأخذك عندما يُخبرك المُبدع القدير بالنبأ؛ قال تعالى: "خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ" الأنبياء 37.

التلبينة سنة نبوية وعلاج طبيعي


التلبينة سنة نبوية وعلاج طبيعي

بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
عن عائشة رضي الله عنها (أنها كانت تأمر بالتلبينة للمريض وللمخرون على الهالك) وكانت تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن التلبينة تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن) [1] 
وفي رواية للبخاري: (أن عائشة كانت تأمر بالتلبينة وتقول: هو البغيض النافع). 
وعن عائشة أيضاً قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب بعض أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه ويقول: إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسروا إحداكن الوسخ عن وجهها بالماء) [2]
وفي رواية البخاري أن عائشة كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النسوة ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصيت التلبينة عليها ثم قالت: كلن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن) والبرمة القدر.
وعن أم المنذر بنت قيس الأنصارية رضي الله عنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وعلي ناقه، ولنا دوال معلقة. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وأخذ علي ليأكل منها فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: مه يا علي إنك ناقه، فكف علي. قالت: فصنعت شعيراً وسلقاً وجئت به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أصب من هذا فهو أنفع لك) رواه أبو داود وروى الترمذي نحوه وفيه: (فجعلت لهم سلقاً وشعيراً ... الحديث وفيه: (فهو أوفق لك) والناقه الذي أبل من مرضه ولم تتكامل صحته. 
وأما القول المأثور (الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء) فليس حديثاً نبوياً وإنما هو على الأغلب من كلام طبيب العرب (الحارث بن كلدة) وكان يقول: (رأس الطب الحمية) .
قال ابن حجر: قال الأصمعي: (التلبينة حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل وقيل لبن وسميت تلبينة تشبيهاً لها باللبن وفي بياضها ورقتها) وقال أبو نعيم في الطب: (هي دقيق بحت) وقال البغدادي: (التلبينة السحاء ويكون في قوام اللبن وهو الدقيق الناضج لا الغليظ النيء وإذا شئت أن تعرف منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير لا سيما إذا كان نخالة (مطحوناًَ) فإنه يحلو وينفذ بسرعة ويغذي غذاء لطيفاً وإذا شرب حاراً كان أحلى وأقوى  نفوذاً والمراد بالفؤاد في الحديث رأس المعدة).
قال ابن القيم: (الحمية حميتان: حمية عما يجلب المرض وحمية عما يزيده، فالأولى حمية الأصحاء والثانية حمية المرض والأصل فيها قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فيتمموا صعيداً طيباً) فحمي المريض عن استعمال الماء لأنه يضره. وأنفع ما تكون الحمية للناقه من المرض فإن طبيعته لم ترجع بعد إلى قوتها، والقوة الهاضمة ضعيفة والطبيعة مستعدة فتخليطه يوجب انتكاسها)
(وأعلم أن في منع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي وهو ناقه، أحسن التدبير، فالدوالي رطب معلق في البيت والفاكهة تضر بالناقه من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن وقتها، وفي الرطب خاصة ثقل على المعدة، فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره فلما وضع الشعير والسلق بين يديه أمره بأكله فإنه من أنفع الأغذية للناقة، فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين ما هو أصلح للناقه لا سيما إذا طبخ بأصول السلق فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف).
(ومما ينبغي أن يعلم أن كثيراً مما يحمى عنه العليل والناقه إذا اشتدت الشهوة إلفيه فتناول منه الشيء اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه لم يضره تناوله، بل ربما انتفع به، فإن المعدة والطبيعة تتلقيانه بالقبول والمحبة فيصلحان ما يخشى ضرره.
ولذا فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم صهيباً على تناول التمرات اليسيرة كما يروي لنا صهيباً رضي الله عنه قال:(قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال: أدن فكل فأخذت تمراً فأكلت فقال: أتأكل تمراً وبك رمد؟ فقلت يا رسول الله أمضغ من الناحية الأخرى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم  [3]). 
وإنه لمن المعجز حقاً التوافق التام بين هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحمية وبين معطيات الطب الحديث، والذي يعرف الحمية بأنها التدبير الغذائي الخاص بالمريض من إلزامه منهاجاً من الغذاء لا يتعداه أو منعه ممن بعض أنواع الأغذية أو الأشربة التي أضحت مؤذية له بسبب مرضه.
وتعتبر الحمية جزءاً من المعالجة في كثير من الحالات ولكل مرض حميته. ولقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهمية الحمية حق في دور النقاهة.
 وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يغذي المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية وقد وصف التلبينهة والحساء لأنهما سهلا الهضم لطيفاً التغذية، فكل منهما يريح المعدة ويقوي هضمها ويخفف آثار الحزن ولأن اللاطعان الثقيل في ظروف الانفعال قد يعرض المريض لعسرة الهضم.
ولقد كان الشعير غالب طعام أهل الحجاز لأن الحنطة عزيزة عندهم، لذا فإن التلبينة كانت تصنع من دقيق الشعير. وتؤكد مصادر الطب الحديث[4] وصف حساء الشعير في الحميات وكغذاء لطيف سهل الهضم حيث يستعمل مهروس الشعير بعد نزع قشوره مطبوخاً بالماء أو الحليب للمسعورين والأطفال وتوصف للمتوعك والمصاب بالحمى  أو بقلة الشهية أو عسرة الهضم هذا وسنتكلم عن السلق تحت عنوانه الخاص.
ومن الهدي النبوي في الحمية أيضاً، ألا يجير المريض على الطعام أو الشراب حين تعافه نفسه فقد روي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله عز وجل يطعمهم ويسقيهم) [5] 
قال ابن القيم: (ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية المشتملة على حكم إلهية، وذلك لأن المريض إذا عاف الطعام والشراب فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض أو لسقوط شهوته أو نقصانها لضعف الحرارة الغزيرة أو خمورها.. واعلم أن الجوع هو طلب الأعضاء للغذاء لتخلف الطبيعة به عليها عوض ما يتحلل منها وإذا وجد المرض اشتغلت الطبيعة بمادته وانضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء أو الشراب فإذا أكره المريض على الطعام اشتغلت به الطبيعة عن فعلها واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه فيكون ذلك سبباً لضرر المريض).
يقول د. عادل الأزهري[6] : (معظم الأمراض يصحبها عدم رغبة المريض في الطعام وإطعام المريض قصداً في هذه الحالة يعود عليه بالضرر لعدم جهازه الهضمي بعمله كما يجب مما يتبعه عسر هضم مع سوء حالة المريض وكل مريض له غذاء معين له ويجب أن يكون سهل الهضم قليل الغذاء وإن من دلائل الشفاء عودة المريض إلى سابق رغبته في الطعام).
ويؤكد الدكتور النسيمي (أن الله سبحانه وتعالى قضت حكمته أن يكون في الجسم مدخرات كبيرة يستفيد منها وقت الحرمان، فينبغي أن لا يغتم ذووا المريض لعزوف مريضهم عن الطعام خلال المرض، فإن المعدة قد لا تحتمل الطعام الزائد، أو لا تحتمل الطعام مطلقاً، وقد يسبب له غيثاناً أو قيئاً.. ولذا لا يجوز أن يجبروا مريضهم على الطعام وقد عافته نفسه).
أهم مراجع البحث 
1ـ ابن الأثير في كتابه: (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ).
2ـ ابن حجر العسقلاني: عن كتابه (فتح الباري: شرح صحيح البخاري)
3ـ ابن قيم الجوزية: عن كتابه (الطب النبوي).
4ـ د. عزة مريدن: عن كتابه (علم الأدوية)
5ـ د. محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث)
6ـ الموفق البغدادي: عن كتابه (الطب من القرآن والسنة).
________________________________________________
[1]    رواه البخاري ومسلم ومعنى تجم فؤاد المريض أي تريحه وتزيل عنه الهم وتنشطه.
[2]    رواه الترمذي وقال حديث صحيح و يرتو  يشده ويقويه و يسرو  أي يكشفه ويزيله.
[3]    رواه الترمذي وانب ماجه
[4]    الدكتور عزة مريدن  علم الأدوية
[5]    رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث  حسن غريب
[6]    في تحقيقه على هامش كتاب الطب النبوي لابن القيم.

القرآن الكريم ودمار قوم لوط


القرآن الكريم ودمار قوم لوط

بقلم الكاتب التركي هارون يحيى
 قال الله تعالى:(كَذَّبَتْ قَومُ لُوطٍ بالنُّذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْناَ عَلَيْهِمْ حَاصِباً إلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ* نِّعْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِيْ مَنْ شَكَرَ* وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بالنُّذُر) (القمر: 33-36).
عاش لوط(عليه السلام) في نفس زمن إبراهيم عليه السلام مرسلاً إلى بعض الأقوام المجاورة لإبراهيم، كان هؤلاء القوم كما يخبرنا القرآن الكريم يمارسون نوعاً من الشذوذ لم تعرفه البشرية قبلهم، وهو اللواط. عندما نصحهم لوط بأن يقلعوا عن ممارسة هذا الشذوذ وأنذرهم بطش الله وعقابه، كذبوه وأنكروا نبوته ورسالته، وتمادوا في شذوذهم وغيهم، وفي النهاية هلك القوم بما وقع عليهم من كارثة مريعة.
في العهد القديم يشار إلى المنطقة التي أقام فيها لوط على أنها سدوم، وحيث إن هذه المنطقة تقع إلى الشمال من البحر الأحمر، فقد كشفت الأبحاث أن الدمار قد لحق بها تماماً كما جاء في القرآن الكريم، تدل الدراسات الأثرية أن تلك المدينة كانت في منطقة البحر الميت التي تمتد على طول الحدود الأردنية الفلسطينية.
قبل أن نقوم بفحص آثار هذه الكارثة، يمكننا أن نتأمل السبب وراء عقاب آل لوط، يروي لنا القرآن كيف أنذر لوطٌ قومَه وبماذا أجابوه:
 ( كَذَّبَتْ قَومُ لُوطٍ المُرْسَلِيْنَ * إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِيْنٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيْعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِيْنَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِيْنَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ ربُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المُخْرَجِيْنَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ القَالِيْن ) (الشعراء: 160-168)
هدد القومُ لوطاً عندما دعاهم إلى اتباع الطريق الصحيح، لقد أبغضوه لأنه يدعوهم إلى الحق والطهر، وعزموا على طرده هو والذين آمنوا معه كما تعرض لنا الآيات الآتية:
 ( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّنْ دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون ) (الأعراف: 80-82).
عرض لوط(ع) على قومه الحقيقة واضحة وأنذرهم بشكل واضح وصريح، إلا أنهم لم يكترثوا لأي تهديد أو وعيد، واستمروا في نكرانهم وتكذيبهم بالوعيد الذي جاء به:
 ( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتقْطَعُونَ السَّبِيْلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيْكُمُ المُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوابَ قَومِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِيْن) (العنكبوت: 28-29) .
وهنا وبعد أن تلقى لوط(ع) هذا الجواب توجه إلى الله يسأله العون:
 ( قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِيْنَ) (العنكبوت: 30).
 ( رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُون) (الشعراء: 169).
وهكذا استجاب الله لرسوله، فأرسل ملكين في صورة رجلين، مر هذان الملَكان على إبراهيم قبل أن يصلوا لوطاً، وأعطوه البشرى بأن امرأته ستلد له غلاماً، وشرح الملكان لإبراهيم سبب إرسالهم إلى قوم لوط: لقد حكم على قوم لوط المتغطرسين بالهلاك...
 ( قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّها المُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِيْنَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهمْ حِجَارَةً مِّنْ طِيْنٍ* مُّسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلمُسْرِفِيْنَ ) (الذاريات: 31،34).
 (إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِيْنَ * إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّها لَمِنَ الغَابِرِيْنَ ) (الحجر: 59-60)
.وبعد أن غادر الملَكان - وهما على هيئة رسولين - إبراهيم وصلوا لوطاً، اغتم لوط لمجيء الرسل في بادئ الأمر لأنه لم يكن قد رآهم قبلاً، إلا أنه هدأ بعد أن تكلما معه:
 ( وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيْءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيْبٌ ) (هود:77).
 ( قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِماَ كَانُوا فِيْه يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِيْنَ ) (الحجر: 62-66).
في هذه الأثناء عرف القوم أن لوطاً يستضيف ضيوفاً، فلم يترددوا في إيذائهم بممارساتهم البشعة، فطوقوا منـزل لوط ينتظرون خروجهم، خاف لوط على ضيوفه من أن يلحق بهم الأذى فخاطب قومه قائلاً:
 ( قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِيْ فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوْا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ ) (الحجر: 68-69) .
فأجابه القوم:(قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالَمِيْنَ ) (الحجر: 70).
ظن لوط أنه أصبح وضيوفه مُعَرَّضِين إلى تلك الممارسة الشيطانية فقال:
 (قَالَ لَو أَنَّ لِيْ بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيْدٍ ) (هود: 80) .
إلا أن ضيوفه ذَكَّروه بأنهم رسل الله إليه وقالوا:
 ( قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوآ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيْبُها مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيْبٍ ) (هود: 81).
وعندما وصل شذوذ القوم الذُّرْوَةَ، أنقذ الله لوطاً بمساعدة الملَكين، وفي الصباح أُهلك القوم بالكارثة المدمرة التي أنذرهم بها لوط من قبل:
 (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً
عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ ) (القمر: 37-38) .
وتصف لنا الآيات دمار القوم:
 (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِيْنَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيْلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِيْنَ* وَإِنَّها لَبِسَبِيْلٍ مُّقِيْمٍ ) (الحجر: 73-76) .
 (فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارةً مِّنْ سِجِّيْلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِنْد رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِيْنَ بِبَعِيْدٍ ) (هود: 82-83).
 (ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِيْنَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المُنْذَرِيْنَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِيْنَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيْزُ الرَّحِيْمُ ) (الشعراء: 172-175) .
وعندما دُمِّرَ القوم لم ينج منهم إلا لوط ومن آمن معه، وهؤلاء جميعاً لم يكونوا يتعدون عدد أفراد الأسرة الواحدة. إلا أن امرأة لوط لم تكن من المصدقين فهلكت مع الهالكين.
 ( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * إِنَّكُم لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّنْ دُونِ النِّسآءِ بَلْ أَنْتُم قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الغَابِرِيْنَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِيْنَ ) (الأعراف: 80-84) . 
وهكذا نجا لوط(ع) ومن معه من المؤمنين وعائلته إلا امرأته كانت من الغابرين. وكما ورد في التوراة : هاجر لوط مع إبراهيم عليهما السلام بعد أن هلك القوم الضالون ومسحت منازلهم وجه الأرض.
توضح الآية 82 من سورة هود ماهية العذاب الذي وقع على قوم لوط: ( فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ ) .
جملة ( جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ) تشير إلى أن المنطقة قد أصابها هزة أرضية قوية، وهنا نجد أن بحيرة لوط، المكان الذي وقع فيه العذاب، تحمل دلائل واضحة عن كارثة كهذه.
يقول عالم الآثار الألماني وورنر كيلر:
غاص وادي سديم الذي يتضمن سدوم وغوموراه مع الشق العظيم، الذي يمر تماماً في هذه المنطقة، في يوم واحد إلى أعماق سحيقة، حدث هذا الدمار بفعل هزة أرضية عنيفة صاحبتها عدة انفجارات، وأضواء نتج عنها غاز طبيعي وحريق شامل (1).
في الحقيقة، تعتبر منطقة البحر الميت، أو بحيرة لوط، منطقة زلزالية نشطة، أي منطقة زلازل.
وهو يقع في صدع تكتوني متجذر، ويمتد هذا الوادي 300كم على طول الوتر الواصل بين وبحيرة طبريا شمالاً الى منتصف وادي عربة جنوباً  (2).
أما الجملة الأخيرة من الآية: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ ) فربما تعني حدوث انفجار بركاني على ضفتي بحيرة لوط، ولهذا كانت الحجارة التي انطلقت ( مِنْ سِجِّيل ) تعرض الآية 173من سورة الشعراء لنفس الصورة: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المُنذَرِينَ ).
وعن ذلك يقول وورنر كيلر:
"تحررت القوى البركانية التي كانت هامدة في الأعماق على طول الصدع من ذلك الغور، ولا تزال فوهات البراكين الخامدة تبدو ظاهرة في الوادي العلوي من الضفة الغربية، بينما تترسب هنا الحمم البركانية وتتوضع طبقات عميقة من البازلت على مساحة واسعة من السطح الكلسي(3).
تدل هذه الحمم المتحجرة وطبقات البازلت على تعرض هذه المنطقة إلى هزة عنيفة وبركان ثائر في زمن من الأزمنة، وتبدو هذه الكارثة بالسياق القرآني ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ ) فالقرآن يشير، على أغلب الظن إلى هذا الانفجار البركاني، والله أعلم. وقوله تعالى: ( فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ) يشير إلى وقوع الزلزال الذي استثار البركان لينفجر على سطح الأرض ليترك آثاراً مدمرة وشقوقاً وحمماً، والله أعلم.
الدلائل البينة والآيات الواضحة التي تظهر في بحيرة لوط مثيرة للغاية، بشكل عام تقع كل الأحداث التي يرويها القرآن في الشرق الأوسط، الجزيرة العربية ومصر، في منتصف هذه المناطق تماماً تقع بحيرة لوط. قد أثارت بحيرة لوط والمناطق المجاورة لها اهتمام الجيولوجيين، إذ تنخفض هذه البحيرة 400 متراً عن سطح البحر الأبيض المتوسط، وبما أن أخفض نقطة في هذه البحيرة تغوص حتى 400 متراً عن سطحها، إذن فقاع البحيرة يكون بانخفاض 800 متراً عن سطح البحر، وهذه أخفض نقطة على وجه الأرض، لا يتعدى عمق المناطق المنخفضة عن سطح البحر في البحر أكثر من 100 متراً. الخاصية الأخرى التي تختص بها هذه البحيرة دون غيرها هي الكثافة الملحية فيها والتي تبلغ 30% ، ولا تسمح هذه النسبة لا تسمح لأي نوع من الكائنات البحرية مثل الأسماك، الطحالب، الإشنيات وما إلى ذلك بالعيش فيها ، ولهذا سميت بالبحر الميت "Dead Seaفي الأدب الغربي
وحسب التقديرات: فإن قصة قوم لوط التي يرويها القرآن تعود إلى 1800 قبل الميلاد، لاحظ كيلر من خلال دراساته الجيولوجية والأثرية أن مدينتي سدوم وغومورا كانتا تقعان في وادي سديم الذي كان يشغل النهاية القصوى والأكثر انخفاضاً من بحيرة لوط، وأن هذه المنطقة كانت من أكثر المناطق سكاناً في هذه الأرض.
من أكثر الخصائص البنيوية لهذه البحيرة هو ذلك الدليل الذي يظهر واقعة الدمار كما رواها القرآن.
هناك قسم يشبه اللسان يشكل شبه جزيرة في شرقي بحيرة لوط،وهو يمتد حو داخل البحيرة وقد أطلق العرب على هذا القسم أسم "اللسان ,وهو يقسم قاع البحيرة تحت الماء الى قسمين,ولا يبدوا هذا ظاهراً للعيان فوق اليابسة.ومع أن القاع في يمين شبه الجزيرة هذه هو على عمق 400 م,الا أن الجانب الأيسر منها ضحل الى درجة محيرة. وقد أظهر السبر الذي أجري منذ عدة سنوات أن عمق الماء هنا يزيد عن 15 - 16 م، هذه المنطقة الضحلة تشكلت فيما بعد تكونت نتيجة الزلازل وما تبعتها من ترسبات للانهيارات الكبيرة التي حدثت في أعقابها .وهذه المنطقة هي منطقة سدوم وعامورا التي عاش فيها قوم لوط (4).
لاحظ وورنر كيلر هذا الجزء الضحل، الذي اكتُشف أنه قد تشكل فيما بعد، أنه حصل نتيجة الهزة الأرضية والانهيار الكبير الذي أحدثته هذه الهزة، هذه المنطقة هي التي كانت تشغلها سدوم وغومورا، أي: مسكن قوم لوط.
كان من الممكن في القديم الانتقال من هنا إلى الضفة المقابلة مشياً على الأقدام.أما الآن فإن الجزء السفلي من البحر الميت يغطي مدن سدوم وعامورا الموجودتان في وادي سديم.ونتيجة لانهيار القاعدة بسبب كارثة طبيعية مرعبة حدثت في الألف الثاني ق.م اندفعت المياه المالحة من الشمال إلى هذا الفراغ والتجويف الحادث وملأت هذا القسم تماماً.
قامت الأقمار الصناعة الأمريكية بتصوير قاع البحر فكشفت الصور ست نقاط على شكل مستطيل هي عبارة عن قرى مغمورة تحت البحر الميت يعتقد أنها قرى نبي الله لوط عليه السلام

كما قامت إحدى الغواصات البريطانية الصغيرة بمسح قاع البحر الميت فكشفت وجود عدة بروزات كبيرة مغمورة بطبقة سميكة من الملح يعتقد أنها قرى نبي الله لوط عليه السلام

بقايا من الأشجار القديمة عليها ترسبات ملحية تمتد في إحدى أطراف البحر الميت الضحلة
تبدو آثار قوم لوط واضحة... عندما تبحر في قارب عبر بحيرة لوط إلى أقصى نقطة جنوباً، وعندما تكون الشمس مرسلة أشعتها باتجاه اليمين، سترى شيئاً مذهلاً، على بعد معين من الشاطئ، وتحت ماء البحر الصافي تظهر حدود الغابات التي حفظتها ملوحة البحر الميت بشكل واضح: أغصان قديمة جداً، وجذور ضاربة في القدم تحت المياه الخضراء المتلألئة. وادي سديم... أجمل أماكن تلك المنطقة في ذلك الزمن، حيث كانت هذه الأغصان والأشجار خضراء يانعة ذات يوم والورود متفتحة...
تكشف الأبحاث الجيولوجية عن الناحية الديناميكية لكارثة قوم لوط، تقول هذه الدراسات: إن الزلزال الذي دمر القوم جاء نتيجة لتشكل صدع طويل في الأرض (خط التصدع) على بعد 190 كم ليشكل حوض نهر الشريعة، يشير انحدار نهر الشريعة نزولاً حوالي 180 كم، بالإضافة إلى انخفاض البحر الميت بمقدار 400 متر عن سطح الأرض إلى أن حادثاً جيولوجياً على جانب من الأهمية قد اتخذ مجراه في حقبة من الزمن .
تشكل البنية المثيرة لنهر الشريعة وبحيرة لوط جزءاً صغيراً فقط من الشق أو الصدع الذي يمر من هذه المنطقة من الأرض، لقد اكتُشِفَ مكان وطول هذا الصدع في أيامنا هذه فقط.
صورة للبحر الميت
صورة للبحر الميت عبر الأقمار الصناعية
يبدأ الصدع من مناطق جبال طوروس ويمتد جنوباً حتى بحيرة لوط، ثم يواصل امتداده خلال الصحراء العربية ليصل إلى خليج العقبة، ثم يستمر عبر البحر الأحمر لينتهي في إفريقيا، وعلى امتداد هذا الصدع لوحظت أنشطة بركانية، حيث يمكن ملاحظة الحجارة البازلتية والبركانية في جبل الجليل في فلسطين وفي المناطق المنبسطة والمرتفعة من الأردن وفي خليج العقبة والمناطق المجاورة.
تدل هذه الآثار والمعلومات الجيولوجية مجتمعة على أن بحيرة لوط قد شهدت كارثة جيولوجية مخيفة، كتب وورنر كيلر:
غاص وادي سديم الذي يتضمن سدوم وغومورا مع الشق العظيم، الذي يمر تماماً في هذه المنطقة، إلى أعماق سحيقة في يوم واحد، حدث هذا الدمار بفعل هزة أرضية عنيفة صاحبتها عدة انفجارات، وأضواء نتج عنها غاز طبيعي وحريق شامل، تحررت القوى البركانية التي كانت هامدة في الأعماق على طول الصدع من ذلك الغور، ولا تزال فوهات البراكين الخامدة تبدو ظاهرة في الوادي العلوي من الأردن قرب باشان، بينما تترسب الحمم البركانية وتتوضع طبقات عميقة من البازلت على مساحة واسعة من السطح الكلسي، تدل هذه الحمم المتحجرة وطبقات البازلت على تعرض هذه المنطقة إلى هزة عنيفة وبركان ثائر في زمن من الأزمنة."(5).
بقايا المدينة التي انزلقت إلى بحيرة لوط، والتي عثر عليها على ضفاف البحيرة
وتدل هذه البقايا على أن قوم لوط كانوا على مستوى معيشي راقي
أما مجلة "ناشونال جيوغرافي National Geographic"الجغرافية فقد حررت هذه المعلومات في كانون الأول من عام 1957:
يرتفع قمة جبل باتجاه البحر الميت ، لم يجد أحد حتى الآن المدن المدمَّرة: سدوم وغومورا، إلا أن الباحثين يرون أنهما كانتا في وادي سديم أمام المنطقة الصخرية، قد تكون مياه البحر الميت غمرتهما بعد زلزال مدمر (6).
1وورنر كيلر، الإنجيل كتاريخ، إثبات كتاب الكتب، نيويورك: ويليام مورو، 1964، الصفحات 57-76.2"عالم الإنجيل" علم الآثار والتاريخ تموز- آب 1993.3وورنر كيلر، الإنجيل كتاريخ، إثبات كتاب الكتب، نيويورك: ويليام مورو، 1964، صفحة 76.4المرجع السابق الصفحات 73-74.5المرجع السابق الصفحات 75-76.6إيرنست رايت "إحياء العهد القديم"، المجلة الجغرافية الوطنية مجلد 112 كانون الأول 1957 صفحة 833.
المصدر :موقع http://www.perishednations.com/ar/lutspeople.php

جنات وعيون مصر القديمة

جنات وعيون مصر القديمة

الدكتور محمد دودح
عضو ومؤسس للهيئة العالمية للاعجاز العلمي في القرآن

 
استخدم الشادوف بمصر القديمة لرفع الماء من مجاري الماء والآبار
اشتهرت مصر القديمة بكثرة البساتين حول القصور وحول منازل الأثرياء, وقد كانت الزراعة في مصر القديمة تعتمد أساسا على النيل وتنتشر على جانبيه من الصعيد إلى الدلتا, وكانت الحقول والبساتين المجاورة للنيل وتفرعاته وقنواتها تُرْوَى باستخدام بعض الوسائل البسيطة كالشادوف والدلو لرفع الماء إلى مستوى التربة, وأما المناطق الأبعد عن مجرى الماء فيستلزم لريها حفر آبار حيث لا يحتاج الوصول لمستوى الماء جهد كبير, وكانت الآبار ذات أهمية أكبر في المعابد المتطرفة والمناطق غير الزراعية أو غير المأهولة كما في سيناء, فقد كان لمصر قديمًا قلاع على طريق شمال سيناء نحو سوريا وفلسطين ومحاجر في الجنوب, وقد تُسْتَشْكَل الإشارة في القرآن الكريم إلى كثرة عيون الماء في مصر القديمة باعتبار وفرة مياه النيل والتصور بعدم الحاجة إلى الآبار, ولكن مصادر علم الآثار تشير إلى أن الآبار قد استخدمت في مصر القديمة على الأقل منذ بداية عهد المملكة الجديدة حيث وجدت عدة آبار عامة غير آبار البيوت؛ وكان لها سلالم حلزونية تصل إلى مستوى الماء, وقد كانت سببا في نشر كثير من الأمراض والأوبئة ابتداء من الإسهال إلى البلهارسيا, وفي آخر اكتشاف حديث في أكتوبر 2009 وجدت آثار أربعة آبار مطمورة تُنسب لمعبد بمصر القديمة في عهد الأسرة الفرعونية 21 منذ أكثر من 3000 سنة تابع للمعبودة موط Mut بمنطقة صان الحجر؛ اثنان منهما دائريان بعرض 210-220 سم والآخران مربعان, وفي قوله تعالى: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ الزخرف: 51؛ يتفق مع المعرفة بشبكة مياه الري في عصر الفراعنة التي هيأت قديما لاستغلال أكبر مساحة للزراعة, ويَسَّر فرع قديم للنيل ممتد إلى خليج السويس وصول السفن الشراعية إلى البحر الأحمر وتوسعة رقعة التجارة البحرية, وفي قوله تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ الدخان: 25, وقوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ الشعراء: 57؛يستقيم لفظ (جنات) مع توفر مياه النيل وفروعه, والتعبير بلفظ العيون الأقل وفرة في الماء يستقيم حمله على استكمال بقية طيف المصادر الطبيعية في سياق بيان بالغ الرخاء.
آثار بئر كان يغتسل بها كهنة معبد أبيدوس في مصر القديمة
آثار بئر كان يغتسل بها كهنة معبد أبيدوس في مصر القديمة