وفي أنفسـكم أفــلا تبصــرون ـ الجهاز التنفسي

وفي أنفسـكم أفــلا تبصــرون ـ الجهاز التنفسي
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي
إن الوظيفة الرئيسية للجهاز التنفسي هي توفير غاز الأوكسجين لكل خلية من خلايا الجسم ومن ثم تخليصها من غاز ثاني أكسيد الكربون التي تنتجه هذه الخلايا. والأكسجين عنصر ضروري لإنجاز عملية تحويل المواد الغذائية إلى طاقة تلزم لإجراء مختلف أنواع العمليات الحيوية التي تجري في داخل الخلايا أو ما يسمى بالحرق أو الهدم وينتج عن عملية النحويل هذه غاز ثاني أكسيد الكربون. وتقوم مكونات الجهاز التنفسي المختلفة بأخذ الأوكسجين من الجو ومن ثم يتم إيصاله إلى خلايا الجسم من خلال الدم والذي يعود محملا بثاني أكسيد الكربون فيقوم الجهاز التنفسي بسحبه من الدم وطرده إلى الجو. وبما أن الجسم لا يمكنه أن يخزن الأوكسجين في داخله فإنه من الضروري تزويده بهذه العنصر الهام بشكل متواصل حيث أن انقطاع وصوله للجسم لمدة ثلاث دقائق في المتوسط يؤدي إلى موت الإنسان بينما يمكن أن يعيش الإنسان بدون طعام لعدة أسابيع وبدون ماء لعدة أيام. وإلى جانب هذه الوظيفة الرئيسية يقوم الجهاز التنفسي بوظيفتين ثانويتين أولاهما استخدام الهواء الخارج من الرئتين لتوليد الأصوات من خلال مروره على الحبال الصوتية ومن ثم الفم والأنف وثانيها استخدام الهواء المستنشق المحمل بالمواد المتطايرة من مختلف المصادر للتعرف على روائحها من خلال مستقبلات الشم الموجودة في سقف الأنف.
ن تتوفر له كمية هائلة من المعلومات أولا عن تركيب الهواء في الجو من حيث الغازات التي يحتويها ونسبة كل منها وثانيا عن تركيب خلايا الجسم وما تجري فيه من عمليات حيوية وما تحتاجه وما تنتجه من غازات. وعلى هذا المصمم أن يحسب بدقة بالغة كمية الأكسجين التي يحتاجها الجسم في كل ثانية وكذلك كمية ثاني أكسيد الكربون التي تنتجه الخلايا وذلك ليحدد أبعاد مكونات جهاز التنفس الذي سيقوم بتصميمه بحيث يتمكن من تزويد الجسم بكمية الأكسجين التي سبق وأن قام بحسابها وكذلك الحال مع ثاني أكسيد الكربون.
 ولكي يتمكن هذا المصمم من حساب المساحة الداخلية لجدران الحويصلات الهوائية يلزمه معرفة الضغط الجزيئ للأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الهواء الموجود في داخل الرئة وكذلك في الدم وذلك لكي يحدد معدل تبادل هذه الغازات بين الهواء والدم من خلال غشاء الخلايا المبطنة للحويصلات الهوائية. وعلى المصمم هذا أن يقوم بتصميم أغشية خاصة بسماكة بالغة الدقة لجدران الحويصلات والشعيرات الدموية المحيطة بها بحيث يمكن للأكسجين وثاني أكسيد الكربون من اختراقها بسهولة وبمعدلات كافية. ولقد تمكن العلماء من قياس المساحة الداخلية لجدران الحويصلات الهوائية في الرئتين فوجودها تبلغ في المتوسط سبعين مترا مربعا ولو طلب من هولاء العلماء حساب هذه المساحة نظريا فإني على يقين من أنهم سيواجهون كثيرا من الصعوبات بسبب كثرة العوامل التي حددت هذه المساحة. وإذا كان هذا هو الحال مع العلماء بما يملكون من عقول فكيف يمكن لإنسان عاقل أن يصدق أن تصميم الجهاز التنفسي بما فيه من تعقيد التركيب ومنتهى الكفاءة في الأداء قد تم بالصدفة! وسيكتشف القارئ وهو يقرأ عن مكونات الجهاز التنفسي أن في كل مكون من مكوناته معجزات بينات من حيث تصميم أجزاءه وكفاءتها العالية في القيام بالوظائف المنوطة بها وسيتيقن أنها صممت من قبل خالق لا حدود لعلمه وقدرته وهو القائل سبحانه" الذي أحسن كل شيئ خلقه".
يتكون الجهاز التنفسي من ستة أجزاء رئيسية وهي الأنف والفم والبلعوم والحنجرة والقصبة الهوائية والرئتين وذلك للقيام بوظائفه الثلاث التي ذكرناها آنفا. فالأنف هو أول محطة من محطات الجهاز التنفسي وهو ذو تركيب بديع قد تم تصميمه بحيث يخدم الوظائف الثلاث للجهاز التنفسي. ويتكون الأنف (nose) في جزئه الظاهر أو الخارجي من فتحتين أو قناتين متجاورتين تسميان المنخاريين (nares) يوجد بينهما فاصل غضروفي يسمى الحاجز الأنفي أو الوتيرة (nasal septum) والذي يمتد حتى نهاية التجويف الأنفي.
والمنخاران مبنيان من الأعلى من مادة غضروفية مرنة مكسوة بالجلد من الخارج والداخل مما يسهل من تحريك مقدمة أو أرنبة الأنف (nasal tip) وكذلك إغلاق الفتحتين من خلال الضغط على جوانب الأنف وذلك لإخراج المخاط أو لتجنب دخول الروائح الكريهة. إن وظيفة المنخارين هي إدخال الهواء إلى تجويف الأنف وكان يكفي لو ترك الأمر للصدفة أن يكونا مجرد فتحتين في منتصف الوجه وبدون بروز ولكن المصمم هو الله عز وجل الذي أكرم الإنسان بهذا الوجه الجميل من خلال هذا التصميم البديع للجزء البارز من الأنف والذي يأتي بأشكال لا حصر لها لإحداث هذا التنوع في أشكال وجوه البشر. وينفتح المنخاران على تجويفين واسعين في مقدمة الجمجمة يطلق عليهما التجويف الأنفي (nasal cavity) والذي يحده من الأسفل سقف الفم المكون من الحنك الصلب (hard palate) والحنك الطري (soft palate) ومن الأعلى عظام الجمجمة وعظمة الأنف ومن الخلف والجوانب عظام الجمجمة. ويبرز من الجدارين الجانبيين للتجويف الأنفي ثلاثة قواطع عظمية رقيقة تقع فوق بعضها البعض تسمى الحيود العظمية (nasal turbinate or conchæ) تعمل على تقسيمه إلى تجاويف ثانوية (meatuses) وقد صممت أشكال هذه القواطع بطريقة بديعة بحيث تخدم الوظائف المختلفة للجهاز التنفسي. ويبطن التجويف الأنفي غشاء مخاطي رقيق ومهدب تتخلله شبكة كثيفة من الشعيرات الدموية ويعمل هذا الغشاء على تسخين أو تبريد الهواء الداخل إلى الرئة وكذلك ترطيبه بينما تقوم الأهداب بتحريك المخاط باتجاه البلعوم. وينمو على الجلد الداخلي لمقدمة الأنف أو المنخار شعر خفيف يعمل على اصطياد ذرات الغبار التي تدخل مع الهواء بينما يقوم السائل المخاطي الذي تفرزه بطانة التجويف الأنفي بامتصاص ذرات الغبار وإخراجها عند التمخط. وتنفتح القناتان الدمعيتان (tear ducts) أسفل الحيد السفلي (inferior turbinate) حيث تمتدان من الحويصلات الدمعية الموجود في مقلتي العينيين.
ويوجد على جوانب التجويف الأنفي أربعة أزواج من التجاويف محفورة داخل عظام الجمجمة تسمى الجيوب الأنفية (Sinuses) وهي مبطنة بغشاء مخاطي مهدب (ciliated mucous membrane). وتتصل الجيوب الأنفية بالتجويف الأنفي من خلال فتحات ضيقة يتم من خلالها إدخال الهواء إليها وإخراج الإفرازات المائية من بطانتها إلى الأنف حيث تعمل هذه الإفرازات على ترطيب الأنف. وأكبر هذه الجيوب هو الجيب الفكي (Maxillary Sinus) والذي يقع على الجانبين السفليين للتجويف الأنفي ويبلغ متوسط حجمه 15 سم مكعب ومن ثم الجيب الجبهي (Frontal Sinuses) والذي يقع فوقه عند الجبهة ويبلغ متوسط حجمه 12 سم مكعب ومن ثم الجيب الوتدي (Sphenoidal Sinuses) الذي يقع خلف التجويف الأنفي ويبلغ متوسط حجمه 8 سم مكعب ومن ثم الجيب الغربالي (Ethmoidal Sinuses or Air Cells) الذي يقع على الجانبين العلويين وهو مكون من عدد من التجاويف الصغيرة كما هو مبين في الصورة المرفقة. ولم يجزم العلماء بعد بالوظيفة الرئيسية التي صممت من أجلها هذه الجيوب فهم على خلاف فيما إذا كان الهدف منها التخفيف من ثقل عظام الجمجمة أم أنها تعمل كفجوات رنين (resonant cavities) لتحسين نوعية الصوت الذي يصدر من خلال الفم والأنف عند الكلام. ويوجد في سقف التجويف الأنفي رقعتان من طبقة مخاطية يحتوي كل منها على ما يقرب من خمسة ملايين مستقبل شمي (Olfactory receptors) تستخدم في حاسة الشم (Olfactory or smelling sense).
إن الوظيفة الرئيسية للتجويف الأنفي هو الحيلولة دون دخول الهواء من الجو مباشرة إلى الرئة حيث أن درجة حرارة الهواء في الجو تختلف كثيرا عن درجة الحرارة في داخل الرئة التي هي نفس درجة حرارة الجسم وقد يدمر الهواء البارد أو الساخن الخلايا الرقيقة والحساسة المبطنة للحويصلات الهوائية في الرئة. إن أول ما يدخل من الهواء إلى الرئة عند الشهيق هو الهواء الموجود في التجويف الأنفي والذي تساوي درجة حرارته درجة حرارة الجسم تقريبا حيث يتم تسخينه أو تبريده في الفترة ما بين الشهيق والزفير وذلك من خلال الغشاء المبطن لهذا التجويف والمليء بالشعيرات الدموية. وتلعب الحيود أو القواطع الأنفية دورا مهما في تمكين الأنف من القيام بوظائفه فهي أولا تزيد من المساحة الداخلية للتجويف الأنفي بحيث يتم تسخين او تبريد الهواء الموجود فيه وكذلك ترطيبه في وقت قصير وهو الوقت فيما بين الشهيق والزفير. وهي تعمل ثانيا على الحد من دخول الهواء مباشرة من الجو إلى الرئة وبذلك تمكن الجهاز التنفسي من سحب الهواء المكيف الموجود في التجويف الأنفي ويحل محله الهواء القادم من الجو مباشرة.
 أما الوظيفة الثالثة لهذه القواطع فهي بعثرة الهواء المستنشق لكي تمكنه من الوصول إلى مستقبلات الشم الموجودة في سقف التجويف. وكذلك تعمل هذه البعثرة للهواء المستنشق على تمرير جميع أجزائه على السطح المخاطي مرات عديدة لكي يتم تنقيته بشكل كامل من ذرات الغبار ولولا هذه الآلية لتعرضت الرئتين للتلف السريع بسبب تراكم الأوساخ فيها. أما الوظيفة الرابعة للقواطع فتتعلق بتحسين خصائص الصوت الذي يخرج من الفم وكذلك الأنف عند التكلم وذلك بالتعاون مع الجيوب الأنفية. إن البشر بما يملكون من عقول لا يمكنهم أن يفطنوا لكل هذه الوظائف التي يقوم بها التجويف الأنفي ولولا أنهم درسوا تركيب هذا التجويف دراسات مستفيضة لما تنبهوا لها أبدا. فكيف يمكن لإنسان عاقل مهما بلغ مستوى تعليمه أن يصدق أن تصميم هذا التجويف الأنفي قد تم تصميمه وتصنيعه بالصدفة!
أما المحطة الثانية فهي البلعوم ( Pharynx ) أو الحلق (Throat) وكذلك الزور وهو أنبوب عضلي طوله 13 سم وتتصل به سبع فتحات وهي فتحة الفم الخلفية وفتحتا الأنف الخلفيتان وفتحتا قناتي أستاكيوس وفتحة الحنجرة. وينقسم البلعوم إلى ثلاثة أجزاء وهي الجزء البلعومي الأنفي (Nasopharynx) وهو مبطن بغشاء مهدب كاذب (Pseudosratified ciliated membrane) حيث تساعد هذه الأهداب في تحريك المخاط باتجاه الفم. وفي الجدار الجانبي لهذا الجزء تفتح قناتا أستاكيوس حيث يمر خلال هاتين القناتين كمية قليلة من الهواء إلى الأذن الوسطى للمحافظة على توازن ضغط الهواء على جانبي الطبلة الأذن.
 أما الجزء البلعومي الفمي (Oropharynix) فهو ممر مشترك للهواء والطعام ويوجد فيه زوجان من اللوز وهما لوزتا الحنك أو الفك (Palatine tonsil) ولوزتا اللسان (Lingual tonsil). ويتم فصل هذا الجزء عن التجويف الفمي من خلال اللهاة (Uvula) وهي نهاية الحنك الطري وذلك لتأمين مرور الهواء من خلاله أثناء مضغ الطعام. ويقوم الحنك الطري واللهاة كذلك بإغلاق الجزء البلعومي الأنفي أثناء بلع الطعام لكي لا يصل أي جزء منه إلى التجويف الأنفي. أما الجزء البلعومي الحنجري (Laryngopharynix) فهو الجزء الذي يتفرع فيه البلعوم إلى جزئين أحدهما بشكل مباشر إلى المرئ والآخر إلى الحنجرة (Larynx) من خلال بوابة يتم التحكم بفتحها وإغلاقها باستخدام لسان المزمار. إن الوظيفة الرئيسية للبلعوم هي استخدامه كممر مشترك للهواء القادم من الأنف الى القصبة الهوائية وكممر للغذاء القادم من الفم الى المرئ. ويقوم لسان المزمار (epiglottis) بإغلاق مجرى التنفس عند فتحة الحنجرة بشكل تلقائي عندما يقوم الإنسان ببلع الطعام فيحول دون دخوله إلى القصبة الهوائية. وتتجلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى في تصميم هذا المجرى المشترك حيث أنه يحقق غايتين بالغتي الأهمية فالأولى استخدام الفم كبديل عن الأنف في عملية التنفس فعندما يصاب الإنسان بالزكام قد تنغلق فتحتا الأنف كليا بسبب تراكم الإفرازات فيهما وفي هذا الحال يقوم الفم مقام الفم في إدخال الهواء إلى الرئتين. أما الغاية الثانية فهي استخدام الهواء الذي يخرج من الرئتين في عملية إحداث الأصوات التي تصدرها الحبال الصوتية والتي تمر على مكونات الفم لتنتج الكلام.
 أما الوظيفة الثانوية للبلعوم فهي استخدامه كفجوة رنينية (Resonating chamber) تعمل على تقوية وترشيح بعض الترددات التي تولدها الحبال الصوتية مما يعمل على تحسين نوعية الصوت.
أما المحطة الثالثة في الجهاز التنفسي فهي الحنجرة (larynx) أو صندوق الصوت (voice box) وهي صندوق غضروفي يقع في مقدمة الرقبة على مستوى الفقرات العنقية الثالثة إلى السادسة. ويبلغ متوسط طولها في الرجال 44 ملليمتر وفي النساء 36 ملليمتر بينما يبلغ متوسط قطرها 30 ملليمتر. وبسبب وظائفها المتعددة فإن تركيبها الميكانيكي فيه شيء من التعقيد ولكنها مصممة بشكل بالغ الإتقان ولا زال العلماء يعملون على كشف أسرارها خاصة فيما يتعلق بوظيفتها الرئيسية وهي توليد الصوت.
والحنجرة مبنية من ستة أنواع من الغضاريف ثلاثة منها فردية بينما الثلاثة الأخرى زوجية أي أنها تحتوي على تسعة قطع من الغضاريف مختلفة الأشكال لكل منها وظيفته الخاصة. فالغضاريف الفردية هي أولا الغضروف الدرقي (thyroid cartilage) وهو أكبر الغضاريف حجما ويطلق عليه أيضا اسم تفاحة أدم (Adam's apple). يتكون هذا الغضروف من لوحين مقوسين على شكل شبه منحرف ملتحمين عند المقدمة ومفتوحين في الخلف وهو يشكل النصف الأمامي من صندوق الحنجرة ويوجد في أعلاه وعند مقدمته ثلمة (notch). ويبرز من النهاية الخلفية لكل من اللوحين الدرقيين قرنان علويان يرتبطان بالعظم اللامي (Hyoid bone) من خلال عضلات تعمل على رفعه عند انقباضها أما السفليان فيلتحمان بسطح الغضروف الحلقي أو الخاتمي. وتبلغ الزاوية بين لوحي الغضروف الدرقي 90 درجة عند الرجال و 120 درجة عند النساء مما يجعله أكثر بروزا عند الرجال بينما لا يكاد يظهر هذا البروز عند النساء وذلك لأغراض جمالية.
 إن هذا الاختلاف في تصميم الحنجرة لدى الرجال والنساء رغم أن الوظيفة واحدة وذلك مراعاة للناحية الجمالية يفحم كل من يجحد بأن الله عز وجل هو الخالق فلا يمكن لأي عاقل أن يدعي أن ذلك قد تم بالصدفة بل لو وكل الأمر للبشر لتصميم الحنجرة لما أخذوا هذا الاختلاف بعين الاعتبار. أما الغضروف الفردي الثاني فهو الغضروف الحلقي أو الخاتمي (cricoid cartilage) ويقع تحت الغضروف الدرقي وهو على شكل الخاتم (ring) فهو عريض في الجهة الخلفية وشحيح في المقدمة. أما الغضروف الفردي الثالث فهو لسان المزمار (epiglottis) وهو على شكل ورقة النبات أو الملعقة وقاعدته مثبتة في الجدار الأمامي للغضروف الدرقي تحت الثلمة مباشرة ويقوم لسان المزمار بإغلاق الحنجرة تماما عند بلع الطعام من خلال العضلات التي تتحكم بحركته.
أما الغضاريف الزوجية فهما الغضروفان الطرجهاريان (arytenoid cartilages) وهما غضروفان هرميا الشكل مثبتان على الحافة العليا للغضروف الحلقي من الناحية الخلفية وعليهما يتم تثبيت أحد طرفي الحبال الصوتية الحقيقية وكذلك الكاذبة. وهذان الغضروفان يمكن تحريكهما بعضلات خاصة موجودة في الجزء الخلفي من الحنجرة وذلك لفتح وإغلاق الأحبال الصوتية وكذلك شدهما وإرخاؤهما. أما الغضروفان القرنيان (corniculate cartilages) والغضروفان الأسفينيان (cuneiform cartilages) فهي غضاريف مثبتة فوق الغضروفين الطرجهارين لتكونا الحافة السفلى والجانبية لفتحة الحنجرة وعليهما يطبق غضروف لسان المزمار عند إغلاق الفتحة عند بلع الطعام.
ويوجد في منتصف تجويف الحنجرة زوجان من الأغشية يقعان فوق بعضهما البعض ويتكون كل غشاء من ثنيتين (folds) تبرزان من الجدار الداخلى للحنجرة وتكون الثنيتان فيما بينهما فتحة طولية تمتد من مقدمة الحنجرة إلى مؤخرتها ويتم التحكم بمقدار الفتحة بعضلات مربوطة بالغضاريف الطرجهارية. فالغشاء السفلى يسمى الحبال أو الأوتار الصوتية الحقيقية (true vocal folds) بينما يسمى الغشاء العلوي بالحبال الصوتية الزائفة (false vocal folds). ويتم تثبيت أحد أطراف هذه الأغشية على السطح الداخلي للغضروف الدرقي عند مقدمته بينما يتم تثبيت الطرف الآخر على الغضروفان الطرجهاريان بحيث يتم ربط كل ثنية بالغضروف الذي يقابلها. ويتم التحكم في مقدار اتساع الفتحتين من خلال تحريك عضلات مرتبطة بالغضروفين الطرجهاريين تقوم بابعادهما أو تقريبهما من بعض البعض وكذلك تعمل على شد أو إرخاء الحبال الصوتية وذلك لأغراض تغيير تردد النغمات التي تولدها.
ومن الجدير بالذكر أن الفتحتين الموجودتين في الحبال الصوتية الحقيقية والكاذبة تفتحان وتغلقان معا وهما مفتوحتان بكامل اتساعهما في الوضع الطبيعي وذلك لتمرير هواء التنفس أما عند الكلام فإنه يتم إغلاقهما جزيئا لتوليد الصوت. إن وظيفة الحبال الصوتية الزائفة هو منع دخول الأجسام الغريبة إلى الرئتين إذا ما حصل بالخطأ أن تجاوزت هذه الأجسام بوابة الحماية الرئيسية وهي لسان المزمار حيث تبدأ الحنجرة بعملية السعال أو الكحة (cough) لإخراج الجسم الغريب. أما الحبال الصوتية الحقيقية فوظيفتها الرئيسية هو توليد الأصوات من خلال اهتزازها بفعل تيار الهواء الذي يمر عليها خارجا من الرئتين. ويتراوح طول الحبال الصوتية عند الرجال بين 17.5 و 25 ملليمتر وعند النساء بين 12.5 و 17.5 ملليمتر بينما يتراوح سمكها بين 2 و 3 ملليمتر. وعندما يمر الهواء الخارج من الرئتين بقوة كافية على الحبال الصوتية فإنها تبدأ بالاهتزاز منتجة نغمات صوتية (sound tones) بترددات محددة تتحدد بشكل رئيسي من طول الحبال الصوتية ومقدار شدهما وكذلك قوة تيار الهواء الذي يحركها. وبما أن تردد الصوت المتولد من الوتر يتناسب عكسيا مع طول الوتر فإن التردد ألأساسي (fundamental frequency) الذي يتولد في حنجرة الرجال يبلغ في المتوسط 125 هيرتز أو ذبذبة في الثانية بينما يبلغ 210 هيرتز عند النساء بسبب قصر حبالهن الصوتية ويبلغ عند الأطفال 300 هيرتز. وإلى جانب التردد الأساسي تولد الحبال الصوتية ترددات كثيرة تسمى المتناغمات (harmonics) لها قيم تساوي مضاعفات التردد الأساسي وتمتد حتى 20 ألف هيرتز. إن الصوت الذي يتولد من الحبال الصوتية يحتوي على ترددات كثيرة غير مرغوب فيها ولكن بمروره على تجاويف مجرى التنفس التي تعمل كفجوات رنين (Resonating chamber) فإنه يتم ترشيح كثير من هذه الترددات فيصبح الصوت أكثر نقاءا. ومن أهم هذه التجاويف تجويف البلعوم والفم والأنف والحنجرة والقصبة الهوائية والجيوب الأنفية وبسبب اختلاف أحجام هذه التجاويف فإنها تقوم بترشيح معظم الترددات غير المرغوب فيها على مدى الطيف الترددي للصوت.
أما المحطة الرابعة فهي القصبة الهوائية ( Trachea ) وهي أنبوبة أسطوانية الشكل يتراوح طولها بين 10 سم و 16 سم بينما يتراوح قطرها بين 2 سم و 3 سم وتقع أمام المريء مباشرة وتمتد من الحنجرة عند مستوى الفقرة الرقبية السادسة إلى مستوى الفقرة الصدرية الخامسة حيث تتفرع إلى الشعبتين الهوائيتين. ويتكون جدار القصبة الهوائية من حلقات غضروفية دائرية غير مكتملة من الجهة الخلفية على شكل حذوة الفرس يبلغ عددها 20 حلقة. ويوجد في الجزء المفتوح من الحلقة ألياف عضلية ملساء (fibroelastic ligaments) تربط نهايات الحلقة الغضروفية وتعمل على تضييق قطر الحلقة عند انقباضها. إن عدم اكتمال الحلقات الغضروفية في القصبة الهوائية يدل على أن مثل هذا التصميم البديع لا يمكن أن يصدر إلا عن خالق لا حدود لعلمه وقدرته يعلم سبحانه أن هذا الأنبوب الهوائي (wind pipe) عليه أن يقوم بمهام مختلفة تتطلب مواصفات قد تكون متضاربة.
فالمهمة الأولى والرئيسية هي تمرير الهواء إلى الرئتين وهي تتطلب أن يكون الأنبوب مفتوحا بشكل دائم وأن يكون قطره أكبر ما يكون وهذا يتطلب تصنيع كامل جداره من مادة صلبة كالغضاريف مثلا. ولكن المهام الأخرى للقصبة تتطلب عكس ذلك فإخراج البلغم من الرئتين عند إصابتها بالالتهاب يتطلب أن يكون الأنبوب مرن وذي قطر صغير لكي يزيد من ضغط الهواء فيه عند السعال أو الكحة وكذلك عند العطاس (sneeze reflex sneezing) وذلك لكي يدفع البلغم بقوة إلى الخارج. وكذلك فإن توليد الصوت في الحنجرة يتطلب تيارا هوائيا قويا يعمل على اهتزاز الحبال الصوتية بقوة كافية وهذا أيضا يتطلب أن يكون الأنبوب ضيق لرفع ضغط الهواء فيها. أما المهمة الرابعة والتي قد لا تخطر على البال فهي تسهيل حركة الطعام في المريء والذي يقع خلف القصبة الهوائية مباشرة أي أن جداريهما متلاصقين. ولكي تحقق القصبة كل هذه المتطلبات كان هذا التصميم البديع لها فهي مكونة كما أسلفنا من حلقات غضروفية تضمن أن تكون مفتوحة بشكل دائم ولكن هذا الحلقات غير مكتملة وقد تم استبدال الجزء المفقود من الغضروف بعضلات ملساء تعمل عند انقباضها على شد أطراف الحلقة فيضيق قطرها. إن تضيق قطر القصبة لا يحدث إلا عند الكلام أو السعال أو العطاس والذي يتم فقط في حالة إخراج الهواء من الرئتين أي الزفير بينما يكون قطرها أكبر ما يكون في حالة إدخال الهواء إلى الرئتين أي الشهيق. إن الجزء الخالي من المادة الغضروفية قد تم اختيار مكانه بحيث يكون هو الجزء الملامس للمريء وهذا يتيح للمريء أن يتمدد عند بلع الطعام ولو كان الجزء الغضروفي هو الملامس لما أمكن للمريء أن يتمدد فسبحانه من خالق لطيف خبير. وقد يسأل سائل عن السبب في تصنيع القصبة الهوائية من حلقات غضروفية وليس من صفيحة غضروفية والجواب على ذلك أن القصبة الهوائية بوجود الحلقات الغضروفية يمكنها أن تتمدد وتتقلص في الاتجاه العامودي بسبب وجود عضلات ملساء بين هذه الحلقات. إن مثل هذا التمدد والتقلص للقصبة الهوائية ضروري جدا لتأدية بعض المهام كالسماح للحنجرة بالتحرك إلى الأعلى عند بلع الطعام لكي يتم إغلاق فتحتها بشكل محكم من قبل لسان المزمار.

 
 أما المهمة الثانية فهي السماح للرئة بالتحرك إلى الأعلى عند العطاس والسعال لكي تقوم بدفع الهواء بقوة إلى الخارج. أما السبب الأخير فإن عملية تضييق القصبة الهوائية فيما لو صنعت من صفيحة غضروفية ستكون صعبة حتى لو كانت غير كاملة الاستدارة. ويبطن جدار القصبة الهوائية مادة طلائية مهدبة كاذبة (pseudostratified ciliated epithelium) تقوم بإفراز المواد المخاطية التي تساعد على ترطيب الهواء وتنقيته من الشوائب بينما تقوم الأهداب بالتذبذب من الأسفل إلى الأعلى لدفع الإفرازات المخاطية وإخراجها عن طريق الفم.
وتتفرع القصبة الهوائية عند نهايتها إلى فرعين كبيرين من الشعب الهوائية وهما الشعبتان الأوليتان اليمنى واليسرى (Right and left primary bronchus) حيث تدخل كل شعبة منهما إلى إحدى الرئتين فيما بينهما عند نهاية الثلث الأعلى تقريبا. وفي داخل الرئتين تتفرع كل شعبة من هاتين الشعبتين إلى شعب ثانوية (Secondary bronchus) وهي ثلاثة شعب في الرئة اليمنى تذهب لفصوصها الثلاث وشعبتين في الرئة اليسرى تذهب لفصيها الاثنين. وتتفرع الشعب الثانوية داخل كل فص من فصوص الرئة إلى فروع أصغر ثم أصغر لتكون ما يعرف بالشجيرة الشعيبية (Bronchial tree). ويشبه تركيب الشعب الهوائية الأولية والثانوية تركيب القصبة الهوائية إلا إن غضاريفها كاملة الإستدارة حيث أن مهمتها الوحيدة هو تمرير الهواء. وفي الفروع المتوسطة من الشجرة يتم استبدال الغضاريف بصفيحة غضروفية بينما تختفي هذه الصفائح تماما في الأفرع الصغيرة والتي تعرف بالشعيبات (Bronchioles) حيث تتكون جدران هذه الشعيبات من ألياف عضلية ملساء.
أما المحطة النهائية والرئيسية في الجهاز التنفسي فهما الرئتان (Lungs) واللتان تقعان في أعلى التجويف الصدري فوق الحجاب الحاجز ويفصل بينهما القلب والشعبتان الهوائيتان الأوليتان ويبلغ متوسط وزنهما معا كيلوجرام واحد. والرئة الواحدة لها شكل شبه مخروطي ترتكز قاعدتها على الحجاب الحاجز وتنقسم كل رئة إلى فصوص (Lobes) من خلال أخاديد تبدو واضحة على سطحها فالرئة اليمنى أكبر حجما من اليسرى وتتكون من ثلاثة فصوص بينما تتكون الرئة اليسرى من فصين فقط وذلك بسبب وجود قسم من القلب في نفس الحيز الذي تحتله الرئة اليسرى في القفص الصدري. ويتكون كل فص من هذه الفصوص من حجر صغيرة تعرف بالفصيصات (Lobules) ويغلف كل فصيص نسيج ضام مطاطي يحتوى على كثير من الأوعية الليمفاوية والأوردة والشرايين ولذا فإن الرئة تبدو كالإسفنجة. ويحيط بالرئتين داخل التجويف الصدري غشاء ليفي مصلي أملس يسمي الغشاء البلوري (pleura) يتكون من طبقتين تتألف كل طبقة منهما من صف واحد من الخلايا الطلائية وتلتصق الطبقة الداخلية أو الحشوية (visceral pleura) بالرئتين بينما تلتصق الطبقة الخارجية (parietal pleura) بالجدار الداخلي للقفص الصدري. ويوجد بين طبقتي الغشاء البلوري تجويفا يسمى التجويف الجنبي (Pleural cavity) والذي يحتوى على سائل مصلي (Serous fluids) يساعد على تكوين سطح انزلاقي للرئتين داخل القفص الصدري. وهذا الغشاء يحمي الرئتين من الاحتكاك بجدار القفص الصدري عند انتفاخهما في عملية التنفس وكذلك يخفف من أثر حركات نبض القلب علي الرئتين. أما الوظيفة الأهم للغشاء البلوري فهي العمل على تمدد الرئة مع تمدد القفص الصدري فعندما يتمدد القفص فإنه يسحب معه الطبقة الخارجية للغشاء فيبعده عن الطبقة الداخلية والذي يؤدي إلى هبوط الضغط في التجويف الجنبي مما يؤدي إلى تمدد الرئتين بسبب ارتفاع ضغط الهواء فيها عن الضغط في التجويف الجنبي.
إن أهم مكونات الرئة هي الشعيبات الهوائية والتي تتكون جدرانها من خلايا طلائية حرشوفية مسطحة الشكل بدلا من الخلايا العادية الكروية الشكل. وتبرز من جدران هذه الشعيبات تجاويف صغيرة كروية الشكل كالبالونات تسمى الأسناخ الرئوية أو الحويصلات الهوائية (Alveoli) وتتكون جدرانها من طبقة واحدة من نوعين من الخلايا. فالنوع الأول وهي الأكثر عددا فتسمى الخلايا الحرشوفية البسيطة (simple squamous epithelium) وهي خلايا مسطحة الشكل رقيقة الجدران ومن خلالها يتم تبادل الغازات مع الدم. أما النوع الثاني وهي الأقل عددا فهي أيضا خلايا حرشوفية مهمتها إفراز مواد لها توتر سطحي عالي (surfactant) تعمل على إبقاء هذه الحويصلات في حالة الانتفاخ وتعمل كذلك على تجديد ما يتلف من خلايا. ويبلغ عدد هذه الحويصلات في الرئتين 300 مليون حويصلة يتراوح قطر الواحدة منها بين 0,1 و 0,2 مم وتبلغ مساحة السطح الداخلى لجميع هذه الحويصلات ما يقرب من سبعين متر مربع وذلك لكي تتمكن الرئة من امتصاص الكمية اللازمة من الأوكسجين من الهواء وكذلك طرد ثاني أكسيد الكربون. وتكون الحويصلات الهوائية التي تشترك في شعبة هوائية واحدة ما يسمى بالكيس الحويصلي أو السنخي (Alveolar sac) وله شكل أشبه ما يكون بقطف العنب. ويحيط بكل حويصلة من هذه الحويصلات شبكة كثيفة من الشعيرات الدموية تعمل على عملية تبادل غازي الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الهواء الموجود في الحويصلات والدم الموجود في هذه الشعيرات وذلك عبر جدرانها المشتركة. ويوجد في الحيز الذي بين الحويصلات أنسجة ضامة غنية بألياف مرنة (elastic fibers) تعطي الرئتين الطبيعة المطاطية التي تتميز بها والتي تسهل من عملية انتفاخها. إن الشريان الرئوي القادم من القلب عليه أن يتفرع إلى ثلاثمائة مليون فرع يصل كل واحد منها إلى إحدى الحويصلات ثم يتفرع كل فرع منها إلى شبكة كثيقة من الشعيرات الدموية تغطي كامل سطح الحويصلة التي لا يتجاوز قطرها 0.2 مم. ومن ثم تبدأ هذه الشعيرات الدموية بالاتحاد من جديد وهي على سطح الحويصلة لتكون فرع وريدي ومن ثم تبدأ هذه الأفرع الوريدة التي يبلغ عددها أيضا 300 مليون فرع بالاتحاد التدريجي لتكون الوريد الرئوي الذاهب إلى القلب. إن تمديد هذه الشبكة الهائلة من الأوعية الدموية من حيث عددها وكذلك صغر أقطارها ومن حيث وصول كل فرع منها إلى هدفها المنشود وهي الحويصلات الهوائية عمل يعجز أن يقوم به البشر ولو اجتمعوا له ومن السخافة أن يدعي مدعي أن ذلك قد تم بالصدفة بل إن من قام بهذا التصميم البديع خالق عليم قدير سبحانه وتعالى.
تتم عملية التنفس من خلال توسيع وتضييق القفص الصدري (Thoracic cage‏) وليس من خلال حركة ذاتية للرئتين فهما لا تحتويان على عضلات خاصة لإحداث مثل هذه الحركة. ويتكون القفص الصدري من اثني عشر زوج من زوائد عظمية تسمى الضلوع (ribs) تربطها ببعضها عضلات الضلوع أو العضلات الوربية (Intercostal muscles) وهو مخروطي الشكل له فتحتان العلوية منهما ضيقة وتمر منها القصبة الهوائية والمريء والأوعية الدموية والأعصاب. أما الفتحة السفلية فهي واسعة وهي مغلقة بالكامل بعضلات الحجاب الحاجز (Diaphragm) الذي يفصل التجويف الصدري عن التجويف البطني. وتتم عملية التنفس بشكل متواصل ودوري من خلال عمليتين متعاقبتين وهما عملية الشهيق (Inspiration) وفيها تنقبض عضلات الحجاب الحاجز وعضلات الضلوع فيهبط الحجاب الحاجز إلى الأسفل وترتفع الضلوع إلى الأعلى فيتسع بذلك تجويف القفص الصدري مما يجعل الهواء يدخل إلى الرئتين نتيجة انخفاض ضغط الهواء داخلهما وهي عملية تحتاج لبذل كمية من الطاقة. أما في عملية الزفير (Expiration) فإن عضلات الضلوع والحجاب الحاجز تنبسط وتعود لوضعها الطبيعي فيقل بذلك حجم التجويف الصدري فيضغط على الرئتين مما يؤدي إلى طرد الهواء للخارج وهي عملية سلبية تتم بدون بذل أي جهد عضلي ولا تحتاج للطاقة. وتبلغ السعة القصوى للرئتين 6000 مم أي ستة لترات من الهواء وتسمى هذه السعة الكلية للرئة (Total lung capacity) أما كمية الهواء الموجودة في الرئة في الوضع الطبيعي فهي ثلاثة لترات تقريبا. ويبلغ حجم الهواء الذي يدخل الرئتين ويخرج منها في كل دورة وذلك في وضع الراحة ما يقرب من 500 مم ويسمى هذا الحجم بالحجم الموجي أو المدي (Tidal volume) ولكن من الممكن زيادة هذا الحجم إلى ما يقرب من 2500 مم أي لتران ونصف من الهواء وذلك عند القيام بشهيق عميق بعد شهيق اعتيادي ويسمى هذا الحجم بالحجم الشهيقي الإحتياطي (Inspiration reserve volume). ويمكن طرد كمية من الهواء بعملية زفيرية قوية بعد عملية زفيرية اعتيادية بمقدار 1500مم ويعرف هذا بالحجم الزفيري الإحتياطي (Exspiratory reserve volume).
وعند القيام بمجهود شاق كالعمل أو الرياضة فإن كمية الهواء المستنشق قد تصل إلى 4500 مم وتسمى هذه بالسعة الحيوية (Vital capacity). أما كمية الهواء الذي يتبقى في الحويصلات الهوائية بعد أعمق زفير والتي تساوي 1500 مم فيسمى الحجم المتبقي (Residual volume). وبما أن الهواء المستنشق لا يصل بكامله الى الحويصلات الهوائية بل يتبقى ما مقداره 150 مم في المجاري التنفسية لا يشترك في تزويد الدم بالأكسجين ويسمى هذا بالحيز الميت (dead space).
إن سرعة أو معدل التنفس تتحدد بناءا على كمية الأوكسجين الذي تحتاجه خلايا الجسم لإجراء عملياتها الحيوية المختلفة وكذلك على كمية ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها. ويتراوح معدل التنفس عند الإنسان البالغ في حالة الراحة بين 12 و 18 مرة في الدقيقة ويزداد هذا الرقم إلى الضعف عند قيام الجسم ببذل مجهود ما كالعمل أو الرياضة. ويزداد معدل التنفس مع زيادة كثافة عمليات الأيض أو التمثيل الغذائي (Metabolism) فالأجسام الكبيرة تحتاج لمعدل تنفس أعلى من الأجسام الصغيرة. ويزداد كذلك مع المجهود العضلي او الحركي الذي يبذله الجسم فمعدل التنفس يزداد عند الركض أو العمل بشكل كبير عن المعدل الطبيعي فقد يصل إلى ثلاثين مرة في الدقيقة. ويرتبط معدل التنفس مع عمر الكائن الحي فالأطفال لهم معدل تنفس أعلى كثيرا من البالغين وذلك لزيادة معدل التكاثر الخلوي في الأطفال مقارنة بالبالغين وهو أعلى ما يكون عند الرضع حيث يبدأ بمعدل 50 مرة في الدقيقة ثم يبدأ بالتناقص مع زيادة عمر الطفل. ويلعب الموقع الجغرافي وطبيعة المناخ دورا مهما في تحديد معدل التنفس لدى الإنسان فنسبة الأوكسجين في الهواء تقل مع الارتفاع عن مستوى سطح البحر ومع زيادة الحرارة والرطوبة النسبية في الجو. ويتم التحكم بمعدل التنفس بطريقة لإرادية ولكن يمكن للإنسان أن يتدخل إراديا بهذا المعدل لفترات زمنية محدودة ولهذا فإنه يوجد في الدماغ أكثر من مركز للتعامل مع عملية التنفس. فمركز التحكم الرئيسي (Breathing control center) موجود في النخاع المستطيل (Medulla oblongata) ويقوم هذا المركز بتوليد النبضات العصبية الرتيبة التي تحكم معدل التنفس (medullary rhythmicity area). ويوجد في منطقة الجسر (pons) مركزان للتحكم أحدهما للتحكم في عملية الشهيق (apneustic area) والآخر للتحكم في عملية الزفير (pneumotaxic area). ويتلقى هذان المركزان إشارات عصبية من مستقبلات حسية كيميائية (chemoreceptors) موجودة حول الشريان التاجي والشريان السباتي تعمل على قياس مستوى تركيز الأوكسجين وثاني اكسيد الكربون الخارج من القلب وكذلك تركيز حامض الكربونيك في الدم. ثم يقوم هذان المركزان بمعالجة هذه الإشارات العصبية ويقومان بإرسال إشارات عصبية إلى مركز التحكم الرئيسي في النخاع المستطيل لزيادة أو تقليل معدل وعمق التنفس فيقوم بدوره بإرسال إشارات تحكم عصبية إلى الحجاب الحاجز وكذلك عضلات الضلوع لزيادة معدلات انبساطها وانقباضها. وإلى جانب المستقبلات الحسية الكيميائية يوجد مستقبلات حسية ميكانيكية (proprioreceptor or stretch receptor) موجودة في عضلات الصدر والحجاب وفي بعض عضلات الجسم تقوم بإرسال إشاراتها للمساعدة في ضبط معدل وعمق التنفس. ففي حالة الحركة فإن المستقبلات الحركية الموجودة في العضلات هي المسؤلة عن معدل وعمق التنفس ولا ينتظر مركز تحكم التنفس الإشارات القادمة من المستقبلات الكيميائية حيث أنها تأتي متأخرة عندما تحس بنقص الأكسجين. ويوجد مستقبلات حسية أخرى موزعة في مختلف أنحاء الجسم تعمل على ضبط التنفس عند التغوط والألم وارتفاع درجة الحرارة والإثارات العاطفية والخوف وغير ذلك. ويتم إرسال النبضات التي تتحكم بعضلات التنفس من خلال العصب الرئوي (phrenic nerve) الذي يخرج من الحبل الشوكي من بين الفقرات العنقية الثانية والرابعة. وعلى الرغم من أن عملية التنفس تتم بشكل لاإرادي إلا أن الإنسان بإمكانه أن يتحكم لفترات محددة بمعدل التنفس وكذلك عمق النفس حيث يمكنه حبس نفسه لقترة زمنية قصيرة أو أخذ نفس عميق وذلك لأغراض مختلفة كالغوص في الماء أو منع دخول الروائح الكريهة أو شم الروائح الزكية أو غير ذلك. إن التحكم الإرادي في عملية التنفس يتم من خلال مراكز موجودة في القشرة الدماغية حيث تقوم بإرسال إشارات إلى مركز التحكم الرئيسي للتنفس في النخاع المستطيل وذلك لوقف عملية التنفس الطبيعية واستبدالها بنمط جديد يتم فيه التحكم بعضلات التنفس تحت سيطرة هذه الإشارات. ويلزم التحكم الإرادي في التنفس لأغراض كثيرة كوقف التنفس لفترات قصيرة أو لزيادة معدله أو عمقه أو في توليد الكلام أو الضحك أو السعال.
يتم نقل الأوكسجين من الرئتين إلى خلايا الجسم ونقل ثاني أكسيد الكربون من خلايا الجسم إلى الرئتين من خلال دورتين دمويتين تحدثان في الجهاز الدوري () وهما الدورة الدموية الكبرى () والدورة الدموية الصغرى ().
 ففي الدورة الدموية الكبرى يخرج الدم المؤكسد من البطين الأيسر إلى جميع أعضاء الجسم ثم يعود دما غير مؤكسد إلى الأذين الأيمن أما في الدورة الدموية الصغرى فيخرج الدم غير المؤكسد من البطين الأيمن إلى الرئتين ثم يعود دما مؤكسدا إلى الأذين الأيسر. ويتم تبادل غازي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الهواء الموجود في الحويصلات الهوائية والدم الموجود في الشعيرات الدموية المحيطة بها وكذلك بين السائل ما بين الخلوي () والدم الموجود في الشعيرات الدموية الممتدة بين خلايا الجسم من خلال الانتشار البسيط.
أما عملية نقل الأكسجين من الرئتين إلى خلايا الجسم ونقل ثاني أكسيد الكربون من خلايا الجسم إلى الرئتين فتتم بواسطة بروتين الهيموجلوبين (Hemoglobin) الموجود في خلايا الدم الحمراء (red blood cells) والذي يشكل 97 بالمائة من وزنها الجاف. إن السر الأعظم في عملية النقل هذه تكمن في قدرة الهيموجلوبين على الإتحاد بالأكسجين أو ثاني أكسيد الكربون تحت ظروف معينة والإنفكاك عنهما تحت ظروف أخرى. ويتكون جزيئ الهيموجلوبين من مجموعتين وهي مجموعة الهيمو (heme group) وهو جزيئ صغير نسبيا يحتوي على ذرة حديد واحدة ومجموعة البروتين وهي سلاسل طويلة من الأحماض الأمينية تلتف حول بعضها البعض وحول جزيئ الهيمو لتعطي الهيموجلوبين شكله المميز وخصائصه الكيميائية الفريدة. يمكن لجزيئ الهيموجلوبين الواحد أن يحمل أربع جزيئات من الأكسجين أي أن الجرام الواحد من الهيموجلوبين يمكنه حمل 1.34 مللي ليتر وهذا يزيد بسبعين ضعف كمية الأوكسجين التي يمكن أن تحملها بلازما الدم فيما لو تم نقله من خلال الذوبان فيها. ولولا هذه الطريقة الفريدة في نقل الأكسجين باستخدام الهيموجلوبين للزم زيادة كمية الدم التي تمر على الرئتين إلى سبعين ضعف الكمية الحالية وهذا يتطلب رفع معدل دقات القلب إلى سبعين ضعف معدله الطبيعي إذا ما أبقينا على نفس الحجم للقلب. فهل يمكن لإنسان عاقل أن يعتقد أن هذه الطريقة قد حدثت بالصدفة وأن تصميم جزيئ الهيموجلوبين قد تم بالصدفة رغم أن كثير من العلماء قد أفنوا أعمارهم وهم يدرسون تركيبه وطريقة عمله ولا زالت بعض أسراره مجهولة.
أما خلية الدم الحمراء التي تحتوي على 270 مليون جزيئ هيموجلوبين فإن في تصميم شكلها ما يؤكد على أن الذي صممها عليم خبير سبحانه وتعالى فقد تم اختيار الشكل بحيث يكون له أكبر مساحة سطح ممكنة وبأقل حجم لكي يتسنى وضع أكبر عدد ممكن من جزيئات الهيموجلوبين عليه لكي تمسك بأكبر عدد ممكن من جزيئات الأكسجين. وخلية الدم الحمراء لا تحتوي على نواة وهي على شكل قرص بسطحين مقعرين (biconcave disks) أي على شكل الكعكة ويبلغ قطرها 7,5 ميكرومتر وسمكها الخارجي عند أطرافها 2 ميكرومتر ومساحتها 136 ميكرومتر مربع . ويحتوي الملليمتر المكعب الواحد من الدم خمسة ملايين خلية دم حمراء في المتوسط ويبلغ مجموع ما يحتويه الدم في جسم الإنسان من خلايا الدم الحمراء ما متوسطه 25 تريليون. إن متوسط عمر خلية الدم الحمراء يبلغ في المتوسط ثلاثة أشهر ولذا فإنه يلزم إنتاج خلايا جديدة لتعويض ما يموت منها وتتم عملية إنتاج هذه الخلايا في نخاع العظام حيث ينتج منها ما متوسطه مليوني خلية في الثانية الواحدة.
إن عملية تبادل غازي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الحويصلات الهوائية وفي خلايا الجسم تتم من خلال الإنتشار البسيط (Simple Diffusion ) واعتمادا على القدرة العجيبة للهيموجلوبين على الاتحاد مع أحد هاذين الغازين تحت ظروف محددة. ففي الدم غير المؤكسد الوارد إلى الرئتين من القلب يبلغ الضغط الجزييئ للأكسجين (PO2) حوالي 40 مم زئبق وضغط ثاني اكسيد الكربون (PCO2) 54 مم زئبق بينما يبلغ ضغط الأكسجين في الحويصلات الهوائية 100 مم زئبق وثاني اكسيد الكربون 40 مم زئبق. وبما أن ضغط الأكسجين في الحويصلات الهوائية أعلى منه في الدم فإنه سينتقل منها إلى الدم بينما ينتقل ثاني أكسيد الكربون من الدم إلى الحويصلات الهوائية بسبب ارتفاع تركيزه في الدم. وهنا تبدأ الخاصية العجيبة للهيموجلوبين في العمل وهي أنه يتحد مع أكثر الغازين تركيزا فيقوم بالإنفكاك عن ثاني أكسيد الكربون الذي جلبه معه من خلايا الجسم ومن ثم الاتحاد مع الأكسجين ليكون مركب الأكسيهيموقلوبين (Oxyhaemoglobin) الذي سيحمله من الرئتين إلى خلايا الجسم فيعود الدم مؤكسدا إلى القلب ومن ثم إلى خلايا الجسم. وعند وصول الدم إلى خلايا الجسم فإن الحال سينعكس فثاني أكسيد الكربون الناتج من عمليات الأيض في الخلايا يكون أعلى تركيزا من الأكسجين الذي تمتصه الخلايا لعمليات الأكسدة فيبدأ الهيموجلوبين بالإنفكاك عن الأكسجين والاتحاد مع ثاني أكسيد الكربون ليكون مركب الكربينوهيموقلوبين (HbCO2) ليحمله الدم غير المؤكسد إلى القلب ومن ثم إلى الرئتين.
وإلى جانب عمليتي الشهيق والزفير التي يقوم بها الجهاز التنفسي لغرض التنفس فإنه يوجد عمليات أخرى قد يحدثها هذا الجهاز كالسعال والعطاس والتثاؤب وذلك لأغراض غير التنفس. فالسعال أو الكحة Cough)) عملية يتم تحريضها بمنبهات ميكانيكية أو كيميائية تتعرض لها المجاري الهوائية وذلك لتخليصها من الإفرازات الموجودة فيها أو أية أجسام غريبة أخرى يمكن أن تدخلها. ويسبق السعال شهيق عميق يتلوه انغلاق للسان المزمار ومع رجوع الحجاب الحاجز والضلوع لوضعها الطبيعي يحدث ارتفاع سريع في الضغط داخل القفص الصدري. وعندما ينفتح لسان المزمار بشكل مفاجئ ينجم عنه تدفق سـريع للهواء من الرئتين إلى الخارج حاملا معه الإفرازات المخاطية والأجسام الغريبة. أما العطاس فهو عملية تقوم خلالها الرئتين بشهيق عميق تسحب خلاله كمية كبيرة من الهواء ثم تخرجه فجأة من الأنف والفم وبقوة شديدة خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الثانية الواحدة حيث تصل سرعة الهواء الخارج ما يقرب من 200 كلم في الساعة. ويقوم الجسم بهذه الحركة بطريقة لاارادية للتخلص من الجراثيم والمواد المتطايرة التي تعمل على تهيج مجرى التنفس حيث يوجد في الجدار المبطن لمجرى التنفس نهايات عصبية تستجيب لمثل هذه المؤثرات. إن عملية العطس تحتاج إلى طاقة كبيرة جدا أكبر من تلك التي يحتاجها السعال مما يؤدي إلى توقف جميع وظائف الجسم عن العمل بما فيها القلب خلال أجزاء الثانية التي تحدث خلالها. إن كبت عملية العطاس بعد بدئها قد تكون لها عواقب ضارة بجسم الإنسان فالطاقة التي يستجمعها الجسم لإجراءعملية العطس إن لم تفرغ فيها فسيتم تفريغها في مكان أو أكثر في الجسم مما قد يحدث ضررا فيها. ولذلك فقد علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نقول الحمد لله بعد حدوث عملية العطاس لأنها أولا قد تمت بنجاح وأخرجت المواد الضارة من الجهاز التنفسي ولأنها ثانيا لم تحدث ضررا بالجسم فيما لو لم تتم ولأنه ثالثا أعاد لنا الحياة بعد أن توقف القلب وبقية أعضاء الجسم عن العمل خلال فترة العطاس. أما التثاؤب فهو عملية لإرادية يتم خلالها إدخال كمية كبيرة من الهواء إلى الرئتين من خلال الفم حيث يتم فتح الفم وكذلك البلعوم إلى أقصى درجة لمدة قد تصل لستة ثواني ومن ثم يقوم بإخراجه. ويقوم الإنسان بالتثاؤب في أحوال مختلفة كاقتراب موعد النوم والنعاس وعند الاستيقاظ وعند الشعور بالضجر أو القلق أو الجوع أو التعب. ولا زال العلماء يجهلون الهدف الحيوي الرئيسي من عملية التثاؤب فبعضهم يعتقد أنها كردة فعل لنقص الأكسجين وزيادة ثاني أكسيد الكربون في الجسم بينما يقول آخرون أنها تقوم بفتح قناة أوستاكيوس لتزويد الأذن الوسطى بالهواء وكذلك طرد الهواء الفاسد من الرئتين وغير ذلك من الأسباب. إن فتح الفم بكامل سعته لمدة ستة ثواني قد يترتب عليه بعض المخاطر كدخول بعض الحشرات الصغيرة أو الأجسام الطائرة إلى جانب أنه عمل غير لائق أمام الأخرين. ولهذا علمنا رسولنا الكريم بعض آداب التثاؤب ففي صحيح البخاري روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليردن ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان".
المراجع
1- القرآن الكريم
2- مواقع متفرقة على الإنترنت

وفي أنفسـكم أفــلا تبصــرون الجهاز البولي

وفي أنفسـكم أفــلا تبصــرون الجهاز البولي

رسم يظهر الجهاز البولي للانسان
يلعب الجهاز البولي دورا بالغ الأهمية في جسم الإنسان فبتعطله عن العمل فإن حياة الإنسان لا يمكن أن تستمر إلا إلى أيام معدودة. ويعتبر العلماء الكلية التي هي أهم مكونات الجهاز البولي أعجوبة بيولوجية بعد أن تمكنوا من معرفة تركيبها وآليات عملها والوظائف المتعددة التي تقوم بها بكفاءة منقطعة النظير. إن الكلية لا يعرف الإنسان قدرها وأهميتها إلا بعد أن تتعطل ولا تتمكن من القيام بوظائفها مما يؤدي بصاحبها إلى الموت المحقق فيما سبق من العصور. أما في هذا العصر فإنه بالإمكان استخدام الكلى الصناعية أو ما يسمى بغسيل الكلى لإنقاذ حياة الشخص حيث يلزم المريض مراجعة المستشفى عدة مرات في الأسبوع ليتم معالجته بهذه الكلية الصناعية لعدة ساعات متواصلة في كل مراجعة. إن من يتفكر في تركيب الجهاز البولي والوظائف التي يقوم بها يوقن تماما أن الذي قام بتصميمه خالق لا حدود لعلمه وقدرته وليس كما يدعي الملحدون أنه قد تم بالصدفة وذلك لما فيه من أفكار خلاقة وتصاميم معقدة لا يمكن أن تخطر على بال البشر. فهذه الكلية التي لا يتجاوز حجمها قبضة اليد تحتوي على مليون وحدة تنقية تسمى النيفرونات وهي ذات تصاميم عجيبة تمكن العلماء من كشف كثير من أسرار تركيبها وآليات عملها وهم يعملون جاهدين لصنع مرشحات صناعية لأجهزة غسيل الكلى تحاكي النيفرونات في عملها ولكن هيهات هيهات أن يتمكنوا من ذلك وصدق الله العظيم القائل "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)" لقمان. 
إن الوظيفة الأولى للجهاز البولي هو إخراج بعض أنواع الفضلات التي تنتجها خلايا الجسم نتيجة للتفاعلات الكيميائية والعمليات الحيوية التي تجري داخلها بلا انقطاع أو ما يسمى بالأيض أو الاستقلاب (Metabolism). وهذه العمليات إما عمليات بناء (Anabolism) تقوم الخلايا خلالها إنتاج مواد عضوية معقدة كالبروتينات والكربوهيدرات والدهون من مواد عضوية بسيطة تحصل عليها من الجهاز الهضمي وإما عمليات هدم (Catabolism) يتم خلالها تفكيك المواد العضوية المعقدة إلى مواد عضوية بسيطة للحصول على الطاقة. وتقوم الخلايا بإخراج هذه الفضلات إلى السائل المحيط بها ومن ثم يتم جمعها باستخدام الشعيرات الدموية لتختلط ببقية مكونات الدم المفيدة. إن أول خطوة تلزم لتصميم الجهاز البولي هو معرفة هذه الفضلات وإذا كان البشر بما يملكون من عقول كانوا يجهلون طبيعة هذه الفضلات فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن الصدفة قد تمكنت من معرفتها ومن ثم قامت بتصميم جهاز يمكنه فصل هذه الفضلات بكل سهولة عن مكونات الدم المفيدة وإخراجها خارج الجسم. لقد تمكن العلماء بعد دراسات مضنية من معرفة أنواع الفضلات التي تنتجها خلايا الجسم وذلك بعد أن تمكنوا من التعرف على مكونات الدم وكذلك مكونات البول.
حيث تقوم الكلية بإفراز هرمون الاريثروبيوتين (Erythropiotein) ‏والذي يقوم بتنشيط خلايا نخاع العظام لتقوم بإنتاج كميات كافية من الكريات وترسلها إلى الدم. أما الوظيفة السابعة فهي تنشيط فيتامين-دال وهو المسؤول عن تنظيم امتصاص الكالسيوم من الأمعاء وترسيبه في العظام. 
إن فشل الكلى في القيام بهذه الوظائف البالغة الأهمية للجسم تؤدي كما ذكرنا سابقا إلى الموت المحقق بعد عدة أيام من حدوث الفشل الكلوي. فبمجرد توقف الكلى عن العمل تبدأ فضلات الأيض بالتراكم في الدم وفي السائل المحيط بالخلايا ويؤدي تراكم اليوريا في الجسم إلى الإصابة بتسمم اليوريا (Uremia) وأول من يتأثر بهذا التسمم الدماغ والجهاز العصبي حيث يصاب الإنسان أولا بالخمول وعدم التركيز والرغبة في النوم ثم التشنج ثم الدخول في الغيبوبة. ويبدأ أيضا عند الفشل الكلوي ارتفاع حموضة الدم والذي يترتب عليه ظهور أعراض كثيرة كالقلق والهيجان وتسارع التنفس واضطراب دقات القلب مما قد يؤدي إلى الموت المفاجئ. ومن الأعراض الأخرى للفشل الكلوي ارتفاع ضغط الدم وصعوبة في التنفس نتيجة احتقان الرئتين والإحساس بألم أثناء التنفس ‏بسبب التهاب الغشاء البلوري المغلف للرئتين نتيجة ترسيب بلورات اليوريا. ومن الأعراض أيضا جفاف الجلد والأغشية المخاطية في الفم والبلعوم ويميل لون الجلد إلى السواد و تنميل وخدر وعدم الاحساس في الأطراف.
وبما أن الوظيفة الرئيسية للكلى هي تنقية الدم من فضلات الأيض وإخراجها مع البول فلا بد من شرح بسيط لمكونات الدم وكذلك مكونات البول ليسهل شرح عمل الجهاز البولي. يتكون الدم من مكونيين رئيسيين وهما خلايا الدم (blood cells) وتشكل ما نسبته 45 بالمائة والبلازما (plasma) وتشكل ما نسبته 55 بالمائة وذلك من حجم الدم الكلي. وتتكون خلايا الدم بدورها من ثلاثة أنواع من الخلايا وهي خلايا الدم الحمراء (red blood cells) وخلايا الدم البيضاء (white blood cells) والصفائح الدموية (platelets) وهذه الخلايا خالية من النوى فلذلك لا يمكنها الانقسام ويحصل عليها الدم من مصانع خاصة في جسم الإنسان. أما البلازما وهي المكون السائل للدم وفيه تسبح خلايا الدم فتتكون من الماء والتي تبلغ نسبته 90 بالمائة من حجمها ومن مواد عضوية تبلغ نسبتها 9 بالمائة ومن مواد غير عضوية تبلغ نسبتها واحد بالمائة. فالمواد العضوية تتكون من مواد نافعة وهي بروتينات الدم وخاصة الألبومين (Albumin ) والغلوبيولين (Globulin) والفيبرينوجين (Fibrinogen) وسكر الجلوكوز ( Glucose) وبعض الدهون (Lipid) والأحماض الأمينية والفيتامينات 
والأنزيمات والهرمونات. وأما المواد العضوية الضارة والتي تفرزها خلايا الجسم كفضلات لعمليات الأيض فهي اليوريا (Urea) بتركيز يتراوح بين 110 و 530 ملليغرام في كل لتر من البلازما والكريتانين (Creatinine) بتركيز يتراوح بين 8 و 12 ملليغرام في كل لتر وحامض اليوريك (Uric acid) بتركيز يتراوح بين 3 و 7 ملليغرام في كل لتر. أما المواد غير العضوية فهي عبارة عن أملاح مكونة من عناصر مرتبة حسب تركيزها وهي الصوديوم والكلور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والبايكربونات (HCO3-) بالإضافة إلى غازات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والنيتروجين. وأما البول وهو ذو لون أصفر فيتكون من الماء حيث تصل نسبته إلى 95 بالمائة من حجم البول ومن اليوريا والتي يبلغ تركيزها في المتوسط 17غرام لكل لتر ومن الصوديوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2.7 غرام لكل لتر ومن الكلور والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 4.4 غرام لكل لتر ومن البوتاسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن الكريتانين والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 1.8 غرام لكل لتر ومن الكالسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن حامض اليوريك والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 0.4 غرام لكل لتر.
لقد ذكرنا فيما سبق أن أول خطوة لتصميم جهاز يقوم بتنقية الدم من الفضلات الضارة هو معرفة أنواع هذه الفضلات وكذلك تركيبها الكيميائي وذكرنا كذلك أنه يستحيل أن يتم ذلك بالصدفة. أما الخطوة التالية فهي تصميم هذا الجهاز والذي سيوقن القارئ أنه لا بد وأن يكون جهاز بالغ التعقيد إذا ما ضربنا له المثال التالي. فلو أننا قمنا بإذابة ملعقة من الملح وملعقة من السكر في كوب من الماء فهل بالإمكان فصل الملح عن السكر من هذا المحلول باستخدام جهاز ما. ومن الطبيعي أن غالبية الناس بما في رؤوسهم من عقول لا يمكنهم أن يقوموا بتصميم مثل هذا الجهاز وربما قالوا أن عملية الفصل هذه قد تكون مستحيلة. أما المختصون في علوم الكيمياء والأحياء فمن خلال دراستهم للمحاليل وأنواعها والطرق المستخدمة لفصل المواد المذابة فقد يتمكنوا من تصميم مثل هذا الجهاز والذي قد يكون بالغ التعقيد. وإذا كان هذا هو الحال مع هذه المحلول 
البسيط الذي يحتوي على نوعين فقط من المواد فلا بد أن يكون الجهاز المراد تصميمه لتنقية الدم من الفضلات الضارة بالغ التعقيد ولا بد أن يبنى على أسس علمية محددة ويحتاج إلى مصمم عليم وخبير.
لقد تمكن العلماء بعد تشريح الكلية ودراسة مكوناتها من العثور على هذا الجهاز العجيب الذي بمكنه القيام بمعظم وظائف الجهاز البولي التي ذكرناها آنفا بكل سهولة وبكفاءة عالية. وهذا الجهاز هو آية من آيات الله في الخلق فقد تم تصميمه بناءا على أسس علمية لم يتمكن العلماء من معرفتها إلا بعد دراسة مضنية لطريقة عمله ولا زالوا يجهلون الكثير عن الآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة.

وبما أن الوظيفة الرئيسية للكلى هي تنقية الدم من فضلات الأيض وإخراجها مع البول فلا بد من شرح بسيط لمكونات الدم وكذلك مكونات البول ليسهل شرح عمل الجهاز البولي. يتكون الدم من مكونيين رئيسيين وهما خلايا الدم (blood cells) وتشكل ما نسبته 45 بالمائة والبلازما (plasma) وتشكل ما نسبته 55 بالمائة وذلك من حجم الدم الكلي. وتتكون خلايا الدم بدورها من ثلاثة أنواع من الخلايا وهي خلايا الدم الحمراء (red blood cells) وخلايا الدم البيضاء (white blood cells) والصفائح الدموية (platelets) وهذه الخلايا خالية من النوى فلذلك لا يمكنها الانقسام ويحصل عليها الدم من مصانع خاصة في جسم الإنسان. أما البلازما وهي المكون السائل للدم وفيه تسبح خلايا الدم فتتكون من الماء والتي تبلغ نسبته 90 بالمائة من حجمها ومن مواد عضوية تبلغ نسبتها 9 بالمائة ومن مواد غير عضوية تبلغ نسبتها واحد بالمائة. فالمواد العضوية تتكون من مواد نافعة وهي بروتينات الدم وخاصة الألبومين (Albumin ) والغلوبيولين (Globulin) والفيبرينوجين (Fibrinogen) وسكر الجلوكوز ( Glucose) وبعض الدهون (Lipid) والأحماض الأمينية والفيتامينات والأنزيمات والهرمونات. وأما المواد العضوية الضارة والتي تفرزها خلايا الجسم كفضلات لعمليات الأيض فهي اليوريا (Urea) بتركيز يتراوح بين 110 و 530 ملليغرام في كل لتر من البلازما والكريتانين (Creatinine) بتركيز يتراوح بين 8 و 12 ملليغرام في كل لتر وحامض اليوريك (Uric acid) بتركيز يتراوح بين 3 و 7 ملليغرام في كل لتر. أما المواد غير العضوية فهي عبارة عن أملاح مكونة من عناصر مرتبة حسب تركيزها وهي الصوديوم والكلور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والبايكربونات (HCO3-) بالإضافة إلى غازات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والنيتروجين. وأما البول وهو ذو لون أصفر فيتكون من الماء حيث تصل نسبته إلى 95 بالمائة من حجم البول ومن اليوريا والتي يبلغ تركيزها في المتوسط 17غرام لكل لتر ومن الصوديوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2.7 غرام لكل لتر ومن الكلور والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 4.4 غرام لكل لتر ومن البوتاسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن الكريتانين والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 1.8 غرام لكل لتر ومن الكالسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن حامض اليوريك والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 0.4 غرام لكل لتر.
لقد ذكرنا فيما سبق أن أول خطوة لتصميم جهاز يقوم بتنقية الدم من الفضلات الضارة هو معرفة أنواع هذه الفضلات وكذلك تركيبها الكيميائي وذكرنا كذلك أنه يستحيل أن يتم ذلك بالصدفة. أما الخطوة التالية فهي تصميم هذا الجهاز والذي سيوقن القارئ أنه لا بد وأن يكون جهاز بالغ التعقيد إذا ما ضربنا له المثال التالي. فلو أننا قمنا بإذابة ملعقة من الملح وملعقة من السكر في كوب من الماء فهل بالإمكان فصل الملح عن السكر من هذا المحلول باستخدام جهاز ما. ومن الطبيعي أن غالبية الناس بما في رؤوسهم من عقول لا يمكنهم أن يقوموا بتصميم مثل هذا الجهاز وربما قالوا أن عملية الفصل هذه قد تكون مستحيلة. أما المختصون في علوم الكيمياء والأحياء فمن خلال دراستهم للمحاليل وأنواعها والطرق المستخدمة لفصل المواد المذابة فقد يتمكنوا من تصميم مثل هذا الجهاز والذي قد يكون بالغ التعقيد. وإذا كان هذا هو الحال مع هذه المحلول 

لقد ذكرنا فيما سبق أن أول خطوة لتصميم جهاز يقوم بتنقية الدم من الفضلات الضارة هو معرفة أنواع هذه الفضلات وكذلك تركيبها الكيميائي وذكرنا كذلك أنه يستحيل أن يتم ذلك بالصدفة. أما الخطوة التالية فهي تصميم هذا الجهاز والذي سيوقن القارئ أنه لا بد وأن يكون جهاز بالغ التعقيد إذا ما ضربنا له المثال التالي. فلو أننا قمنا بإذابة ملعقة من الملح وملعقة من السكر في كوب من الماء فهل بالإمكان فصل الملح عن السكر من هذا المحلول باستخدام جهاز ما. ومن الطبيعي أن غالبية الناس بما في رؤوسهم من عقول لا يمكنهم أن يقوموا بتصميم مثل هذا الجهاز وربما قالوا أن عملية الفصل هذه قد تكون مستحيلة. أما المختصون في علوم الكيمياء والأحياء فمن خلال دراستهم للمحاليل وأنواعها والطرق المستخدمة لفصل المواد المذابة فقد يتمكنوا من تصميم مثل هذا الجهاز والذي قد يكون بالغ التعقيد. وإذا كان هذا هو الحال مع هذه المحلول البسيط الذي يحتوي على نوعين فقط من المواد فلا بد أن يكون الجهاز المراد تصميمه لتنقية الدم من الفضلات الضارة بالغ التعقيد ولا بد أن يبنى على أسس علمية محددة ويحتاج إلى مصمم عليم وخبير.
لقد تمكن العلماء بعد تشريح الكلية ودراسة مكوناتها من العثور على هذا الجهاز العجيب الذي بمكنه القيام بمعظم وظائف الجهاز البولي التي ذكرناها آنفا بكل سهولة وبكفاءة عالية. وهذا الجهاز هو آية من آيات الله في الخلق فقد تم تصميمه بناءا على أسس علمية لم يتمكن العلماء من معرفتها إلا بعد دراسة مضنية لطريقة عمله ولا زالوا يجهلون الكثير عن الآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة.

لقد تمكن العلماء بعد تشريح الكلية ودراسة مكوناتها من العثور على هذا الجهاز العجيب الذي بمكنه القيام بمعظم وظائف الجهاز البولي التي ذكرناها آنفا بكل سهولة وبكفاءة عالية. وهذا الجهاز هو آية من آيات الله في الخلق فقد تم تصميمه بناءا على أسس علمية لم يتمكن العلماء من معرفتها إلا بعد دراسة مضنية لطريقة عمله ولا زالوا يجهلون الكثير عن الآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة.
وعلى الرغم من تعقيد تركيب هذا الجهاز إلا أنه من الصغر بحيث لا يرى بالعين المجردة وقد أطلق العلماء على هذا الجهاز اسم الوحدة الكلوية أو الكليون أو النيفرون (Nephron). يتكون النيفرون من أنبوب دقيق بسمك الشعرة ويبلغ طوله ثلاثة سنتيمترات وأحد جانبيه مغلق والآخر مفتوح حيث يبدأ الجانب المغلق في منطقة قشرة الكلية بجزء منتفخ مزدوج الجدار يسمى محفظة أو كبسولة بومان (Bowman's Capsule) بينما ينتهي الجانب المفتوح بالأنبوبة المجمعة. ويتكون الجدار الداخلي للمحفظة من خلايا طلائية بسيطة (Simple epithelial cells) بينها مسامات تسمح بمرور معظم مكونات بلازما الدم ولا تسمح بمرور خلايا الدم والبروتينات لكبر حجمها. ويوجد في داخل هذه المحفظة شبكة كثيفة من الشعيرات الدموية تبدو على شكل كبة صغيرة تسمى الكبيبة (Glomerulus) حيث تتفرع هذه الشعيرات من شريان صغير يسمى الشرين الوارد (Afferent Arteriole) والذي يتفرع بدوره من أحد فروع الشريان الكلوي الذي يحمل الدم إلى الكلية. إن الشعيرات الدموية في الكبيبة تتحد مرة ثانية وهي في داخلها لتخرج على شكل شريان صغير يسمى الشرين الصادر (Efferent Arteriole) وهو أصغر قطرا من الشرين الوارد لحكمة بالغة سنبينها فيما بعد.وعندما يخرج الشرين الصادر من المحفظة يبدأ بالتفرع إلى شعيرات دموية تلتف حول الأنبوب ثم تتحد لتكون وريد صغير يتحد مع البقية ليكون الوريد الكلوي. ويطلق على محفظة بومان وما تحويه من كبيبة الشعيرات الدموية اسم حويصلة مالبيجي (malpighian corpuscle) أو الحويصلة الكلوية (renal corpuscle). وقد تم تحديد ثلاث مناطق مميزة على طول الأنبوب فالمنطقة الأولى هي الأنبوبة الملتوية الدانية (Proximal Convoluted Tubule) وهى أنبوبة دقيقة ملتوية وسميت بالدانية لوقوعها بالقرب من كرية مالبيجي وتوجد هذه الأنبوبة في قشرة الكلية وتبدو عند تشريح الكلية على شكل حبيبات. أما المنطقة الثانية فهي أنبوبة دقيقة على شكل حرف u تسمى عروة هنلي (Henle's Loop) وتقع في نخاع الكلية وتتكون من فرعين فالفرع النازل له قطر أصغر من قطر بقية الأنبوب أما الفرع الصاعد فنصفه السفلي له نفس قطر الفرع النازل بينما نصفه العلوي فله نفس قطر بقية الأنبوب.
وفي الوحدة الكلوية أو النيفرون تتم عملية تنقية الدم من الفضلات الضارة على مراحل فالمرحلة الأولى تتم في كرية مالبيجي حيث يتوزع الدم القادم من الشرين الوارد في الشعيرات الدموية الكثيرة في الكبيبة ويرتفع ضغطه إلى 50 ملليمتر زئبق مقابل 30 ملليمتر زئبق في الشعيرات العادية وذلك بسبب أن قطر الشرين الصادر من الكبيبة أقل من قطر الشرين الوارد إليها. وبسبب ارتفاع ضغط الدم في هذه الشعيرات الدموية ورقة جدرانها فإن نسبة كبيرة من مكونات بلازما الدم باستثناء البروتينات وخلايا الدم ستترشح من سطحها لتصب في المحفظة ومنها إلى الأنبوب ويسمى السائل الذي يدخل الأنبوب بالراشح (filtrate).
ويتم الحفاظ على حجم ثابت للدم في جسم الإنسان من خلال التحكم بنفاذية الخلايا الموجودة في جدار الأنبوبة المجمعة للبول باستخدام الهرمون المضاد للادرار (anti-diuretic hormone) والذي تفرزه الغدة النخامية (pituitary gland). وتستخدم التغذية الراجعة السالبة (negative feedback) للتحكم بحجم الدم حيث تقوم النهايات العصبية لما يسمى منظمات الحلولية (osmoregulators) الموجودة في منطقة تحت المهاد (hypothalamus) في الدماغ بقياس تركيز الملح في الدم فإذا كان عاليا تعطى الأوامر للغدة بإفراز هذا الهرمون في الدم وعند وصوله إلى الكلية فإنه يقوم بزيادة نفاذية جدار الأنبوبة الجامعة فيتم امتصاص جزء من الماء الموجود في البول ويعيده إلى الدم. إما إذا كان تركيز الملح منخفضا فهذا يعني زيادة كمية الماء في الدم ولذا فإن الأوامر تصدر من الدماغ لوقف إفراز الهرمون فتقل نفاذية جدار الأنبوبة ويخرج الماء الزائد مع البول. أما تركيز الملح في الدم فيتم التحكم به من قبل هرمون الألدستيرون (Aldesterone) الذي تفرزه الغدة الكظرية والذي يعمل على امتصاص الملح من الأنبوبة الملتوية القاصية وإعادته إلى الدم ليرفع مستوى الملح في الدم. ويتم التحكم بمستوى الكالسيوم في الدم من خلال إفراز الهرمون الجاردرقي (Parathyroid hormone) من الغدد الجاردرقية (Parathyroid glands) حيث يوجد مستفبلات حساسة لانخفاض الكالسيوم (Calcium-sensing receptors) في نفس الغدة. ويعمل الهرمون الجاردرقي عند وصوله للكلية على زيادة امتصاص الكالسيوم من البول وإعادته إلى الدم بينما يقوم هرمون الكالسوتينين (Calcitonin harmone ) الذي تفرزه الغدة الدرقية (Thyroid glands) بتخفيض مستوى الكالسيوم في الدم عند ارتفاعه من خلال وقف امتصاصه من البول. ومن الوظائف البالغة الأهمية للكلى هي ضبط الأس الهيدروجيني (potential for Hydrogen (pH)) للدم على قيمة ثابتة. والأس الهيدروجيني هو مقياس لدرجة الحموضة أو القلوية (Acid-Base Balance) في أي محلول وله تدريج يمتد من الرقم 0 ويمثل أشد درجات الحموضة إلى الرقم 14 ويمثل أشد درجات القلوية (القاعدية) بينما يمثل الرقم 7 حالة التعادل كما في الماء النقي. وتبلغ قيمة الأس الهيدروجيني للدم وكذلك للسوائل في داخل الخلايا وخارجها 7.4 أي أنها قلوية بعض الشيء وفي مثل هذا الوسط تقوم الخلايا بمختلف عملياتها الحيوية على أكمل وجه. أما إذا زاد أو نقص الأس الهيدروجيني عن هذا الرقم السحري فإن عمل الخلايا يبدأ بالاختلال تدريجيا وإذا ما تجاوزت قيمته 7.8 أو قلت عن 6.8 فإن الخلايا تتوقف عن العمل وبالتالي موت الإنسان. ويتم ضبط الأس الهيدروجيني عند القيمة 7.4 بشكل بالغ الدقة وبتفاوت لا يتجاوز 0.05 درجة رغم دخول كميات كبيرة من المكونات الحامضية والقاعدية إلى الدم من خلال هضم الطعام أو من خلال العمليات الحيوية التي تقوم بها خلايا الجسم. وتتم عملية الضبط باستخدام آليات مختلفة أولها وجود المواد المنظمة (Buffers) في الدم وهذه المواد تعالج التغير المفاجئ في قيمة الأس فتمتص شوارد الهيدروجين (+H) إذا زادت الحموضة أو تطلقه إذا زادت القلوية ومن أهم المواد المنظمة ثاني أكسيد الكربون والبايكربونات. أما على المدى الطويل فإن الكلى والرئتان تتعاونان على تثبيت الأس الهيدروجيني عند القيمة المطلوبة وذلك من خلال قيام الرئتان بتخليص الدم من ثاني أكسيد الكربون عند زيادة حموضة الدم ومن خلال قيام الكلى بسحب شوارد الهيدروجين (+H) من الدم عند زيادة حموضة الدم أوسحب البايكربونات (HCO3) من الدم عند زيادة قلوية الدم. ومن الوظائف المهمة للكلى هوالتحكم بضغط الدم باستخدام هرمون الأدرينالين (Adrenaline) وكذلك هرمون النورأدرينالين (NorAdrenaline) الذي تفرزهما الغدة الكظرية (adrenal gland) التي تقع فوق الفطب العلوي للكلية. فعند انخفاض ضغط الدم يعمل هذا الهرمون على انقباض الشرايين الطرفية وزيادة ضخ الدم من القلب أما عند ارتفاع ضغط الدم فيعمل هرمون () على انبساط الشرايين الطرفية وتقليل ضخ الدم من القلب.
يتكون الجهاز البولي من أربع مكونات رئيسية وهي الكليتان (kidneys) والحالبان (ureters) والمثانة (bladder) والاحليل (urethra). فالكليتان تقعان في الجزء الخلفي من البطن على جانبي العمود الفقري على مستوى الفقرات القطنية العليا والكلية اليسرى تقع في مستوى أعلى قليلا (بمقدار سنتيمتر ونصف) عن الكلية اليمنى بسبب وجود الكبد في الناحية اليمنى من البطن. والكلية حمراء اللون تشبه حبة الفاصوليا في شكلها وهي بحجم قبضة اليد حيث يبلغ متوسط طولها بين قطبيها 12 سنتيمتر أما عرضها فيبلغ نصف طولها أي 6 سنتيمتر وأما سمكها فيبلغ نصف عرضها أي 3 سنتيمتر وذلك في المتوسط. ويتراوح وزن الكلية عند الذكر بين 125 غرام و 175 غرام بمتوسط يبلغ 150 غرام وعند الأنثى بين 115 غرام و 155 غرام بمتوسط يبلغ 135 غرام.
ويوجد فوق القطب العلوي لكل كلية غدة بالغة الأهمية للجسم وهي الغدة الكظرية (adrenal gland) وهي على شكل طربوش يغطي الجزء العلوي من الكلية ويبلغ قطرها خمسة سنتيمترات وتتكون كما في الكلية من قشرة ونخاع ويتفرع لها من الشريان والوريد الكلويان شريان ووريد . وتفرز الغدة الكظرية عدد كبير من الهرمونات حيث يفرز من لب الغدة بأمر من الدماغ هرمون الأدرينالين (Adrenaline) وكذلك هرمون النورأدرينالين (NorAdrenaline) والتي تتحكم في ضغط الدم. أما قشرة الغدة فتفرز مجموعة من الهرمونات الستيرودية القشرية فالقشرانيات السكرية كالكورتيزول (Cortisol) تعمل على تنظيم استخدام الغذاء المهضوم والتكييف مع الإجهاد وتخفيف الحساسية وذلك عندما تستثار بهرمون آخر تنتجه الغدة النخامية وهو الهرمون المنشط لقشرة الكظر (Adreno Corticotrophic Hormone). أما القشرانيات المعدنية كالألدوستيرون (Aldosterone) فيعمل على تنظيم امتصاص الصوديوم والبوتاسيوم في الكلية عندما تستثار من قبل هرمون الرنين (Renin) الذي تنتجه الكلية نفسها. وأما هرمون الغدة الكظرية الأساسي ( Dehydroepiandrosterone ) فيعمل على تقوية الجهاز المتاعي وإصلاح الأنسجة والحد من أمراض الشيخوخة. وتفرز الغدة الكظرية هرمونات جنسية كالهرمونات الذكرية المسماة بالأندروجينات والتي تتحكم ببعض الخواص الجنسية لما قبل البلوغ للذكور والإناث.
أما الحالب فهو أنبوب رفيع يصل بين حوض الكلية والمثانة ويتراوح طوله في الإنسان البالغ بين 20 و 25 سنتيمتر بينما يبلغ قطره نصف سنتيمتر. ويتكون جدار الحالب من ثلاث طبقات وهي الطبقة الخارجية المكونة من أنسجة ضامة ليفية لحمايته من الخارج والطبقة الوسطى والمكونة من عضلات ملساء دائرية وطولية والطبقة الداخلية وهي طبقة مخاطية تفرز مخاطا يحمي الحالب من مكونات البول. وتقوم عضلات الحالب بالانبساط والانقباض بشكل دوري كل ربع دقيقة بحيث تقوم بسحب البول من الكلية وتدفعه إلى المثانة وذلك مهما كانت وضعية الجسم. ويدخل الحالب المثانة من الخلف بشكل مائل في داخل جدارها وذلك لكي تقوم عضلات المثانة عند امتلائها بالضغط على الحالب فتقوم بإغلاقه فيعمل كصمام يمنع رجوع البول إلى الكلية. ولو أن تصميم الحالب قد تم بالصدفة أو حتى لو وكل الأمر للبشر لتصميمه لكان الحالب أنبوبا عاديا لا وجود لهذه العضلات الماصة فيه. وفي هذا الحال فإن البول لن يخرج من الكلية إلا إذا كان الإنسان واقفا أما إذا استلقى فإن البول سيتجمع في حوض الكلية وستتوقف عن عملية تنقية الدم ويصاب الإنسان بالتسمم. 
أما المثانة فتقع في الجزء الأمامي من الحوض وهي عبارة عن غشاء عضلي مجوف لها شكل شبه بيضاوي ويمكنها أن تتسع لكمية من البول تتراوح بين 300 و 400 ملليلتر. وجدار المثانة مكون من عدة طبقات فالطبقة الداخلية طلائية تحمي أنسجة جدار المثانة من مكونات البول المختلفة تليها طبقات من الألياف العضلية الملساء ثم الغشاء الخارجي. وهذا الجدار وبسبب التصميم البديع لأشكال العضلات فيه يمكنه التمدد بشكل كبير جدا ويمكنه كذلك التقلص تحت سيطرة الأعصاب القادمة من الدماغ لإخراج البول من المثانه بشكل كامل. ويتم التحكم بعضلات المثانة من خلال نوعين من الأعصاب وهي الأعصاب الودية (sympathetic) التي تعمل على إرخاء عضلات المثانة والأعصاب غير الودية (parasympathetic) التي تعمل على تقلصها. ويوجد في جدار المثانة كذلك أعصاب حسية (Sensory nerves) تقوم بإرسال إشارات عصبية للدماغ عندما تمتلئ المثانة فيشعر الإنسان بالرغبة في التبول ولكنه لا يبول إلا بإرادته. أما الإحليل (Urethra) فهو الأنبوبة التي تخرج البول من المثانة إلى خارج الجسم ويبلغ متوسط طوله 20 سم في الذكر و 4 سم في الأنثى وتحيط بقسم من إحليل الذكر غدة البروستات. وتوجد في جدار الاحليل عند التقائه بالمثانة العضلة القابضة الداخلية بينما تحيط به على بعدة عدة سنتيمترات العضلة القابضة الخارجية حيث تعمل العضلتان كصمامات تمنع خروج البول من المثانة إلا إذا أعطيت الأوامر لهما من الدماغ لينبسطا ويفتحا الاحليل لكي يخرج البول وذلك بطريقة إرادية. إن وجود مثل هذه الصمامات التي تتحكم بعملية التبول عند الإنسان لهو أكبر دليل على أن الذي صنعها صانع خبير حكيم لطيف يهمه سبحانه وتعالى مصلحة الإنسان وهي أن لا يتبول الإنسان على نفسه بشكل لاإرادي فتهان كرامته. فمن الناحية البيولجية البحتة كان الأولى أن يرشح البول بشكل مستمر من خلال حالب بسيط ولا داع لوجود أجهزة معقدة كالمثانة والاحليل والصمامات وما تحكمها من أعصاب مرتبطة بالدماغ تقوم بحبس البول الضار داخل الجسم لحين إعطاء الأمر بإخراجه.

إن هذه الكلى العجيبة لا يدرك أكثر الناس أهميتها ولا يقدرون حق من خلقها لهم حق قدره إلا إذا تعطلت لا سمح الله عن العمل وفشلت في القيام بوظائفها المختلفة. ولقد كان الموت هو النتيجة الأكيدة للشخص الذي تتعطل كلاه عن العمل وذلك قبل اختراع أجهزة غسيل الكلى قبل ما يقرب من ستين عاما وكذلك قبل ظهور عمليات زراعة الكلى قبل خمسين عاما. إن أجهزة غسيل الكلى الحديثة لا تقوم إلا بوظيفة واحدة أو وظيفتين فقط من وظائف الكلى العديدة التي شرحناها آنفا ولذلك نجد أن الشخص المصاب بفشل الكلى يعاني من أمراض كثيرة بسبب ذلك ولا بد من معالجته بالأدوية بشكل مستمر. و يتكون جهاز غسيل الكلي أو بمسمى أصح جهاز تنقية الدم (hemodialysis) من أنابيب ترشيح مصنعة من مادة السيلوفين (Cellophane) يتم غمسها في محلول التنقية (Dialysate) بينما يتم تمرير الدم الذي يؤخذ من أحد شرايين المريض في هذه الأنابيب ومن إرجاعه إلى أحد الأوردة. إن مادة السيلوفين لا تسمح بمرور خلايا الدم والبروتينات من خلالها ولكنها تسمح بمرور الماء والأملاح والفضلات الضارة بالجسم وهي اليوريا والكريتانين وحامض اليوريك. وإذا ما تم ضبط تركيز الأملاح المختلفة في محلول التنقية فإن الفضلات الضارة ستنتقل من الدم إلى المحلول بسبب تركيزها العالي في الدم وغيابها في المحلول النقي. أما الماء والأملاح فإنها ستنتقل من الدم إلى المحلول أو العكس وذلك حسب تركيزها فيهما. إن جهاز غسيل الكلى بسيط التركيب إذا ما ما اقتصر على جهاز الترشيح (dialyzer) وهي الأنابيب ولكنه في الواقع جهاز بالغ التعقيد حيث يحتاج إلى مكونات أخرى كثيرة تضمن نجاح عملية الغسيل. فالجهاز يحتاج أولا لمضختين الأولى لضخ الدم من الجسم إلى المرشح والأخرى لضخ المحلول ويحتاج لمكون يضخ مادة تمنع تجلط الدم عند خروجه من الجسم ومكون آخر لمنع دخول الهواء إلى الدم بالإضافة إلى أجهزة المراقبة المختلفة. وعلى الإنسان العاقل أن يقدر نعمة الله عليه بأن جعل في جسمه هاتين الكليتين الصغيرتين اللتين تعملان بلا توقف وبكفاءة عالية طول عمره وصدق الله العظيم القائل "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)" لقمان. 
المراجع
1- القرآن الكريم
2- مواقع متفرقة على الإنترنت
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي 
وتنقسم الفضلات إلى نوعين رئيسين وهي الفضلات الكربونية والفضلات النيتروجينية فالفضلات الكربونية والتي أهمها ثاني أكسيد الكربون فتخرج من خلال الرئتين وأما الفضلات النيتروجيتية والتي أهمها اليوريا والأمونيا وحامض اليوريك والكريتانين فتخرج من خلال الكلى. وبسبب السمية العالية للأمونيا (Ammonia (NH3)) فإنه من لطف الله بعباده أن الجسم يقوم بتحويلها إلى اليوريا ذات السمية الأقل ويتم ذلك في الكبد. ويقوم الجهاز البولي كذلك بتنقية الدم من أي مواد غريبة قد تدخل إلى الجسم عن طريق الجهاز الهضمي أو عن طريق الحقن من خلال الجلد كالعقاقير والأدوية والمواد المخدرة والسموم بمختلف أنواعها. أما الوظيفة الثانية للجهاز البولي فهي الحفاظ على حجم ثابت للدم في جسم الإنسان ويتم ذلك من خلال التحكم بكمية الماء الموجودة فيه ولذلك نجد أنه مهما بلغت كمية الماء الذي يشربه الإنسان فإن الكلى تقوم بإخراج الماء الزائد مباشرة وإلا أصيب الإنسان بالتسمم المائي (Water intoxication‏). ويحدث التسمم المائي نتيجة لزيادة كمية الماء في الدم وبالتالي في خلايا الجسم التي تبدأ بالانتفاخ نتيجة للماء الزائد فيها مما يؤدي إلى اختلال في تركيز مكوناتها وبالتالي فشلها بالقيام بوظائفها. وأما الوظيفة الثالثة فهي الحفاظ على توازن مختلف أنواع الأملاح في الدم وبالتالي في الجسم حيث تقوم الكلى بالتخلص من الأملاح الزائدة في الدم بشكل مستمر أو ترسل إشارات لبعض أعضاء الجسم لتزويد الدم بالأملاح عند نقصانها.
 وأما الوظيفة الرابعة فهي ضبط الأس الهيدروجيني (pH) على قيمة ثابتة وهي 7.4 ويتم ذلك من خلال زيادة شوارد الهيدروجين (+H) في الدم عند نقصان حموضة الدم وزيادة البايكربونات (HCO3) عند نقصان قلوية الدم. أما الوظيفة الخامسة فهي التحكم بضغط الدم حيث تقوم الكلى عند انخفاض الضغط بإفراز هرمون الرينين ( Rennin) والذي يقوم بتحفيز مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تعمل على انقباض الشرايين الطرفية وكذلك زيادة ضخ الدم من القلب مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط. أما عند انخفاض الضغط فإنها تقوم بإفراز هرمون البروستاجلاندين والذي يقوم بتحفيز مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تعمل على توسعة الشرايين الطرفية وكذلك تقليل ضخ الدم من القلب مما يؤدي إلى انخفاض الضغط. أما الوظيفة السادسة فهي تنظيم معدل إنتاج كريات الدم الحمراء
 أما المنطقة الثالثة فهي الأنبوبة الملتوية القاصية (Distal Convoluted Tubule) وتوجد في منطقة القشرة وسميت بالقاصية لوقوعها بعيداً عن كرية مالبيجي وهي تصب في الأنبوبة المجمعة. والأنبوبة المجمعة (Collecting Tubules) هي أنبوبة مستقيمة تصب فيها الأنابيب الملتوية البعيدة لعدد من النيفرونات وتوجد في منطقة النخاع وتتجمع هذه الأنبوبة مع أنابيب مجّمعة أخرى لتكون أنابيب أكبر تصب في النهاية في حوض الكلية.
 وتسمى هذه المرحلة من الترشيح بالترشيح الفائق (Ultra-filteration) حيث ترشح نسبة كبيرة من الفضلات الضارة وهي اليوريا وحامض اليوريك والكريتانين وكذلك المكونات النافعة وهي الماء وسكر الجلوكوز والأحماض الأمينية والأملاح المختلفة. وتتجلى لنا قدرة الخالق سبحانه وتعالى في تصميم كرية مالبيجي للحصول على هذا الترشيح الفائق وذلك من خلال آليتين وهي أولا تفريع الشرين الوارد إلى عدد كبير من الشعيرات الدموية لزيادة مساحة سطح الترشيح وثانيا من خلال تضييق الشرين الصادر من الكبيبة وذلك لزيادة ضغط الدم في الشعيرات مما يدفع البلازما للخروج من مسامات الشعيرات الدموية. إن إختيار عدد وأطوال الشعيرات في الكبيبة وكذلك نسبة قطري الشرين الوارد والصادر يجب أن يتم بتقدير بالغ بحيث لا يتم خروج جميع بلازما الدم من الكبيبة بل يجب أن تبقى كمية كافية من البلازما لحمل بقية مكونات الدم التي لا يمكنها الخروج كخلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح والبروتينات وإلا لتجلط الدم المتبقي ولانسدت الشرايين. أما المرحلة الثانية من الترشيح فهي الترشيح الاختياري (Selective filtration) أو ما يسمى أيضا عملية إعادة الامتصاص (Reabsorption) والتي تتم في في المناطق الثلاث لأنبوب النيفرون وفي الأنبوبة المجمعة. إن وظيفة هذا الترشيح الاختياري هو إخراج جميع مكونات البلازما المفيدة من الأنبوب ليتم إعادة امتصاصها من قبل الشعيرات الدموية الملتفة حوله والإبقاء على الفضلات الضارة وهي مكونات البول داخله وهنا يكمن السر الأكبر في عمل النيفرون. ولقد تمكن العلماء من كشف تركيب هذا الأنبوب العجيب والآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة بكل كفاءة على الرغم من أنه يبدو في الظاهر أنبوب بسيط التركيب. لقد اكتشف العلماء أن الخلايا المستخدمة في بناء جدار كل جزء من أجزاء الأنبوب الثلات التي شرحناها آنفا عبارة عن خلايا متخصصة يمكنها التحكم بنوع المكونات التي تمر من بينها ولكل جزء من الأنبوب خلاياه الخاصة. وتتم عملية خروج المكونات المفيدة من الأنبوب بأحد طرق ثلاث وهي النقل السلبي (passive transport) أو الأسموزي (osmosis) حيث تنتقل المواد من الوسط الأعلى تركيزا إلى الأقل تركيزا. أما الثانية فهي النقل الفعال (active transport) وهي نفس الطريقة المستخدمة في غشاء الخلايا الحية حيث يمكن للمواد أن تنتشر من التركيز الأقل إلى الأعلى مع بذل قدر من الطاقة للقيام بذلك. أما الطريقة الثالثة فتعتمد على التحكم بسعة فتحات مسامات الأنبوب باستخدام بعض أنواع الهرمونات. ويلعب التصميم البديع لعروة هنلي دورا مهما في قيام النيفرون بوظائفه فالفرع النازل من العروة يسمح بخروج الماء منه ولا يسمح بمرور الملح بينما يعمل الفرع الصاعد عكس ذلك. وبسبب الاختلاف في تصميم الفرعين فإنه يؤدي إلى تكون تدرج (gradient) في تركيز الأملاح حولها بحيث يكون تركيز الملح فيه عاليا في الأسفل وهي منطقة نخاع الكلية وخفيفا في الأعلى في منطقة القشرة مما يساعد على إعادة امتصاص الماء من الأنبوبة المجمعة. ويتم إعادة امنصاص نسبة كبيرة قد تصل إلى 75 يالمائة من مكونات الدم المفيدة كالماء والأملاح والأحماض الأمينية والسكر والفيتامينات في الأنبوبة الملتوية الدانية. وبمجرد خروج هذا المواد خارج الأنبوبة فإن الشعيرات الدموية الملتفة حول الأنبوبة تقوم بامتصاصها وإعادتها إلى الدم. أما الجزء النازل من عروة هنلي فيسمح بمرور الماء إلى خارجه بفعل النقل الأسموزي ولكن لا يسمح بخروج الأملاح وبالتالي فإن الراشح يفقد الماء عبر جدار الأنبوب إلى خارجها مما يؤدي إلى زيادة تركيز المواد المذابة فيه كلما نزل إلى الأسفل أما الجزء الصاعد من العروة فيسمح بخروج الأملاح من الأنبوب من خلال الانتشار أو النقل الفعال. أما الأنبوبة الملتوية البعيدة فتعمل على امتصاص الماء والأملاح بطريقة محكومة بحيث تحافظ على توازن كمياتها في الدم كما سنبين ذلك لاحقا وتعمل كذلك على إدخال بعض المكونات من الدم كالبوتاسيوم وشوارد الهيدروجين إلى داخل الأنبوبة لأغراض ضبط تركيب الدم أو تخليص الدم من بعض المواد الضارة كالأمونيا ومخلفات العقاقير والسموم من خلال النقل النشط. وعندما يصل الراشح إلى الجزء العلوي من الأنبوبة الجامعة يكون قد أعاد معظم المواد المفيدة كالماء والأملاح وغيرها إلى الدم ويعتبر الراشح في هذه الحالة أقرب ما يكون إلى البول. وخلال مرور الراشح في الأنبوبة الجامعة فإنه بالإمكان إعادة كمية من الماء إلى الدم تحت تأثير الهرمون المضاد للتبول (Antidiuretic hormone) مما يرفع من تركيز الراشح ويتحول إلى بول صرف أما في غياب هذا الهرمون فإن الماء الموجود في الراشح لن يخرج من الأنبوبة ويصبح البول خفيف التركيز.

 ويغلف الكلية غطاء من الشحم يعمل على تثبيتها وحمايتها من الصدمات وكذلك من البرد الذي قد يؤثر على كفاءة العمليات الحيوية التي تقوم بها, وتتكون الكلية من عدة طبقات وهي من الخارج المحفظة وهي طبقة رقيقة زلقة تغلف كامل الكلية. ثم تليها القشرة الكلوية (cortex) والتي تحتوي على الجزء العلوي والأكبر من أجسام النيفرونات وكذلك الشعيرات الدموية التي تغذيها وتلك التي تخرج منها. ثم يليها لب أو نخاع الكلية (Medulla) ويحتوي على أهرام الكلية (Pyramids) والتي تتجه رؤوسها إلى حوض الكلية وتتكون هذه الأهرام من الجزء السفلي من أجسام النيفرونات وهي عروة هنلي والأنابيب المجمعة ويمر من بين الأهرامات الشعيرات الدموية التي تتفرع من الشريان الكلوي والوريد الكلوي. وتحتوي المناطق المحيطة بالأهرامات في طبقة النخاع عضلات ملساء تعمل على عصر الأهرامات لتخرج البول من الأنابيب المجمعة إلى حوض الكلية. أما الطبقة الداخلية للكلية فهي حوض الكلية (pelvis) وهي عبارة عن تجاويف متعددة تبدأ صغيرة عند رؤوس الاهرامات تسمى الكؤوس الصغيرة (Minor Calices) ثم تلتقي هذه مع بعضها لتكون تجاويف أكبر تسمى الكؤوس الكبيرة (Major Calices) ثم تلتقي هذه لتكون حوض الكلوية. ويدخل الدم إلى الكلية عند سرتها (sinus) من خلال الشريان الكلوي (Renal Artery) الذي يتفرع من الشريان الأبهر البطني (Abdominal Aorat) ثم يعود الدم المنقى من خلال الوريد الكلوي (Renal Vein) والذي يصب في الوريد الأجوف السفلي (inferior vena cava). وتحتوي الكلية على ما يقرب من مليون نيفرون وهو وحدة الترشيح الأساسية وقد شرحنا تركيبه وآليات عمله آنفا وهي موزعة على أهرامات الكلية التي يقدر عددها باثني عشر هرما. وبما أن كل نيفرون يدخله شرين دموي واحد وهو الشرين الوارد فإن الشريان الكلوي يجب أن يتفرع إلى مليون شرين لتغذية المليون نيفرون. وكذلك هو الحال مع الوريد الكلوي الذي يجب أن يتفرع إلى مليون وريد شعري حيث أن الشرين الصادر من حويصلة مالبيجي بعد أن يتفرع إلى شبكة من الشعيرات الدموية التي تلتف حول أنبوب النيفرون تبدأ بالاتحاد لتكون وريد شعري يخرج من كل نيفرون. إن الإنسان ليصيبه الذهول بل إن رأسه ليتصدع وهو يفكر في طريقة تمديد هذه الملايين من الأوردة والشرايين بحيث يصل كل منها إلى النيفرون الخاص به وذلك في داخل هذه الكلية التي يتجاوز حجمها قبضة اليد. وإني أشهد وكذلك يشهد كل من أنار الله عز وجل بصيرته أن هذا التمديد لا يمكن أن يقوم بها البشر ولو اجتمعوا له بل لا يقوم به إلا خالق لا حدود لعلمه وقدرته سبحانه وتعالى. وتستلم الكليتان ما نسبته عشرين بالمائة من الدم الذي يضخه القلب وذلك لتنقيته من الفضلات الضارة وتعالج الكليتين في اليوم الواحد ما يقرب من 180 لتر من الدم وتخرج ما معدله لتر ونصف لتر من البول في اليوم. 


ثلاث رسائل تبادلها سلاطين المسلمين مع ملوك أوروبا / كيف كُنا ؟

ثلاث رسائل تبادلها سلاطين المسلمين مع ملوك أوروبا / كيف كُنا ؟


بقلم الدكتور: عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
الرسالة الأولى:
بعث جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد برسالة إلى السطان هشام الثالث في الأندلس، جاء فيها:
إلى صاحب العظمة / خليفة المسلمين / هشام الثالث الجليل المقام ....
من جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد ...
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل... لتكون بداية حسنة لاقتفاء أثركم، لنشر العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة.
وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وفي حماية الحاشية الكريمة..
وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع
جورج الثاني [1]
====================
الرسالة الثانية:
بعث ريتشارد قلب الأسد برسالة إلى صلاح الدين الأيوبي جاء فيها:
من ريكاردوس قلب الأسد ملك الإنجليز إلى صلاح الدين الأيوبي ملك العرب
أيها المَولَى..
حامل خطابي هذا بطل باسل صنديد، لاقى أبطالكم في ميادين الوغى، وأبلى في القتال البلاء الحسن، وقد وقعت أخته أسيرة، فقد كانت تدعى (ماري) وصار اسمها (ثريا).
وإن لملك الإنجليز رجاء يتقدم به إلى ملك العرب وهو: إما أن تُعيدوا إلى الأخ أخته، وإما أن تحتفظوا به أسيراً معها، لا تفرِّقوا بينهما ولا تحكموا على عصفور أن يعيش بعيداً عن أليفه.
وفيما أنا بانتظار قراركم بهذا الشأن، أذكِّركم بقول الخليفة عمر بن الخطاب ـ وقد سمعته من صديقي الأمير حارث ـ وهو: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ".
فردَّ عليه صلاح الدين على رسالة ريتشارد..
من السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى ريكاردوس ملك الإنجليز
أيها الملك: صافحتُ البطل الباسل الذي أوفدتموه رسولاً إليّ، فليحمل إليكم المصافحة مما عرف قدركم في ميادين الكفاح.
وإني لأحب أن تعلموا بأنني لم أحتفظ بالأخ أسيراً مع أخته؛ لأننا لا نُبقي في بيوتنا سوى أسلاب المعارك، لقد أعدنا للأخ أخته. وإذا ما عمل صلاح الدين بقول عمر بن الخطاب، فلكي يعمل ريكاردوس بقولٍ عندكم: " أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". فرُدَّ أيها الملك الأرضَ التي اعتصبتَها إلى أصحابها، عملا بوصية السيد المسيح عليه السلام. [2]
=============
الرسالة الثالثة:
ملك بريطانيا (جون لاكلاند) يعرض الدخول تحت ظل دولة الخلافة الإسلامية
في عام 1213م أرسل (جون لاكلاند) ملك إنجلترا وفدا سرياً مكونا من ثلاثة أشخاص إلى (محمد الناصر) حاكم المغرب وإفريقيا وإسبانيا جاء فيها أنه يسره أن يضع بريطانيا أمانة بين يديه ويتخلى عن الاعتقاد بالديانة المسيحية ويتمسك ويلتزم بكل إخلاص بدين وعقيدة محمد.
ولكن محمد الناصر رفض هذا العرض لأنه عدَّ ملك إنجلترا أحمق لا يستحق التحالف معه، ومما جاء في رده:
" لم أقرأ أو أسمع قط أن ملكاً يمتلك مثل هذه البلاد المزدهرة الخاضعة المطيعة له عن طواعية، يقوم بتدمير سيادته واستقلاله بجعل بلده الحر يدفع الجزية لغريب، فماً أنها يجب أن تكون ملكه وحده.. ".
ثم برر رفضَ عرض ملك بريطانيا بالحلف معه لأنه: " ملك ضيِّق الأفق والتفكير وأحمق وخرف وغير جدير بالتحالف معي ".
ولما قرأ الملك رد محمد الناصر بكى، وغضب من الوفد وطالبهم بأن لا يجعلونه يراهم مجدداً !     [3]

السبق الإسلامي في اكتشاف أمريكا ووضع خرائطها الدقيقة

السبق الإسلامي في اكتشاف أمريكا ووضع خرائطها الدقيقة

صورة لسفينة مشابهة لسفينة كولومبس
صورة لشعار سفينة كولومبس
صورة لكريستوفر كلومبس

صورة للخريطة التي أستخدمها كريستوفر كولومبس أضغط على الصورة لتكبيرها
صورة للخريطة التي رسمها بيري رئيس الجغرافي التركي المسلم تظهر على  اليسار خريطة لشواطئ القارة الأمريكية الشمالية والجنوبية أما على اليسار فتظهر خاطرة لشواطئ القارة الأفريقية أضغط على الصورة لتكبيرها.
هذه الخريطة تبين مدى دقة عمل المسلمين، قارن حواف قارة أمريكا بصورتها المعروفة حالية، مع الخريطة التي رسمها المسلمون

إعداد: د. عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير / جامعة الزرقاء الأردنية
رغبةً في نشر الدين النصراني، ووجود الدولة العثمانية التي وضعت العراقيل أمام تجارة أوروبا مع الشرق الأقصى في أواخر القرن الخامس عشر، فضلاً عن الضرائب الجمركية المتصاعدة التي كان يفرضها مماليك مصر، بدأ الناس في أوروبا يتساءلون عن إمكانية الوصول إلى الهند مباشرة للتخلص من سيطرة العثمانيين المتزايدة على تجارتهم.
ومن هنا بدأت حركة الكشف الجغرافي الأوروبي للبرتغال وإسبانيا، وإن اختلفت كل منهما عن الأخرى في التوجه، فبينما اتجهت كشوف البرتغال إلى غرب إفريقيا شرقًا حتى منطقة جزر الهند الشرقية من خلال طريق رأس الرجاء الصالح، نجد إسبانيا اتجهت كشوفها غربًا لتصل إلى نفس الهدف.
وهنا بدأت الرحلة الشهيرة لكولومبوس الذي اكتشف أمريكا، والمعلوم أن كولومبوس مات عام (1506م=912هـ) وهو يعتقد أنه وصل إلى آسيا، وأن الجزر التي اكتشفها إنما هي تلك التي توجد بالقرب من الهند، ومن هنا ترجع تسميتها إلى جزر الهند الغربية، وكذلك تسمية سكانها الأصليين بالهنود، ولم تلبث الأذهان أن أخذت تشك في أن هذه الأرض التي وصل إليها كولومبس هي آسيا ولاسيما بعد تلك الرسالة التي نشرها "أميركو فسبوتشي".


الإسهام غير المباشر للعرب المسلمين في اكتشاف أمريكا:
في مجال (الجغرافيا الوصفية) قدم الجغرافيون العرب والمسلمون نظريات حول شكل الأرض تؤكد كرويتها للجغرافي الأندلسي المسلم "أبو عبد الله البكري" وللتدليل على هذه الفكرة قدم عالم آخر اسمه أبو الفدا (ولد 1273م/672هـ) بعض الأدلة المنطقية عليها مثل تغير وقت شروق الكواكب وغروبها كلما تحرك الشخص من الشرق إلى الغرب، وتزايد ارتفاع النجم القطبي والكواكب الشمالية كلما تقدم الشخص نحو الشمال، وفكرة كروية الأرض هي التي انطلق منها كولومبس في رحلته الاستكشافية نحو الغرب والتي وصل من خلالها إلى العالم الجديد.
ويضاف إلى ذلك إسهام المسلمين في فكرة خطوط الطول ودوائر العرض، ووصول المسلمين إلى درجة عالية من الإتقان في القياس، ففي القرن العاشر الميلادي ذكر "المقدسي" أن الأرض كروية، وأن خط الاستواء يقسمها نصفين، وأن محيطها مقسم إلى 360ْ درجة طولية 180ْ درجة عرضية، كما أن البيروني كان أستاذًا في نفس الموضوع، وقد وضع أرقامًا دقيقة لدوائر عرض عدد كبير من الأماكن، وكانت الطريقة التي استخدمها في حسابها مبنية على رصد النجوم التي تدور حول القطب.
وقد كانت صناعة الأجهزة من ضمن الإنجازات العلمية الهامة للمسلمين، ومن أشهر هذه الأجهزة جهاز الإسطرلاب، والساعة المائية والمزولة التي كان خط العرض يوضح عليها بدقة، وكذلك البوصلة التي استخدمها العرب في أوقات مبكرة كما أشار الإدريسي، وكل هذه الأدوات استعان بها كولومبس في رحلته نحو أمريكا.
وأيًا ما كان الأمر فإننا نعتقد أن كولومبس ما كان له أن يصل إلى اكتشاف أمريكا بدون الاستفادة من هذه الخلفية المعرفية الجغرافية التي قدمها علماء المسلمين بالإضافة إلى أن ثلث بحارته كانوا من العرب.
سبق العرب والمسلمين في الوصول إلى أمريكا:
أصدر الدكتور يوسف ميروا في دراسة حديثة بالإنجليزية تفيد أن كثيرًا من المؤرِّخين يؤكدون أن المسلمين وصلوا إلى شواطئ أمريكا قبل كولومبس بـ 500 عام، ويستدلون ابتداءً بما ذكره الجغرافي والمؤرخ المسلم المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعدن الجوهر” من أن بحارًا مسلمًا يدعى ابن سيد القرطبي أبحر من الشاطئ الغربي للأندلس في عام 889م وسار في اتجاه مستقيم حتى وصل إلى شاطئ كبير رجع منه محملاً بكنوز كثيرة، أيضًا رسم المسعودي في خرائطه مناطق في المحيط الأطلسي (غرب القارة الإفريقية والأوروبية) سماها الأرض المجهولة. وأما كولومبس نفسه فقد ذكر في رسائله ومذكراته إشارات تصلح للاستدلال؛ إذ أورد أنه رأى جزيرة حمراء (في رحلاته لأمريكا) يحكمها رجل عربي ينادى بأبي عبد الله، كما اكتشف أن أهالي
جزيرة سان سلفادور يتكلّمون ببعض الكلمات ذات الأصول العربية مع بعض التحريف في النطق، وذكر أنه رأى في الهندوراس قبيلة سوداء مسلمة يطلق عليهم لقب إمامي. وفي مذكراته الشخصية ذكر كولومبس أنه شاهد مسجدًا في كوبا فوق رأس جبل، كما أن الأسلحة التي يستخدمها سكان هاييتي هي نفسها التي كانت تستعمل في إفريقيا.
وكتب المؤرِّخ الأمريكي وينر أستاذ التاريخ بجامعة هارفرد يقول: إن كولومبس فهم أنه كان يوجد مسلمون في العالم الجديد، وانحدروا من غرب إفريقيا، وانتشروا من الكاريبي إلى مناطق مختلفة في شمال وجنوب أمريكا، وأضاف وينر أن مجموعات من هؤلاء التجار تزاوجوا مع هنود الأمريكتين. ويضيف الدكتور يوسف أن العديد من المصادر الإسلامية تحدَّثت عن رحلات بحرية تمّت في المحيط الأطلسي مثل كتاب الإدريسي “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” و”مسالك الأبصار في ممالك الأمصار”.. وفي كتابه “قصة أمريكا” أورد المؤرخ باري نيل الكثير من الأدلة (بلغت 565 تسجيلاً) تشير لتواجد المسلمين في أجزاء من أمريكا، ومن بين هذه الأدلة خرائط وآثار وأسماء عربية مثل مكة (اسم لقبيلة هندية)، ومنى وأحمد ومحمد والمرابطين، إضافة إلى
كثير من العادات والتقاليد التي تؤكّد وجود اتصال بين هنود أمريكا والمسلمين العرب. أيضًا ذكر (إفن سيرتيما) في كتابه “جاءوا قبل كولومبس” عددًا من الأدلة على وصول أفارقة إلى أمريكا. ولم يفت الباحث أن يستشهد بما كتبه المستشرق الإنجليزي دي لاسي بما أورد في كتابه “الفكر العربي ومكانه في تاريخ الغرب” حيث ذكر الرحلات التي قام بها المسلمون في عام 1312م.
أمير البحر العثماني أمير البحر العثماني بيري رئيس وجهوده في وضع خرائط أمريكا:
في عام 1929م اكتشف مدير المتاحف الوطنية السيد خليل أدهم خارطة لم تكن معروفة حتى ذلك الوقت للعالم وذلك خلال عملية تصنيف الملفات في أبنية قصر طوب قابي Top Kapi قصر السلاطين العثمانيين الواقع في أجمل أحياء استانبول.
ما يهمنا هنا ما رسمه بيري رئيس (Piri Reis) من خريطة للعالم عام 1513م بما فيها القارة الأمريكية المكتشفة في وقته، ولكن للأسف الشديد لم يبق من تلك الخريطة سوى الجزء الذي يحوي المحيط الأطلسي وطرفيه الشرقي والغربي. لكن هذا الجزء المتبقى من الخريطة أثار ضجة بين العلماء، فقد ذكر بيري معلومات لم يذكرها أحد ممن زار تلك المناطق الجديدة في ذلك الوقت.
ومما جاء في تلك الخريطة:
- هذه السواحل تسمى سواحل الآنتيل (آنتيليا)، وقد اكتشفت في سنة 896 هـ
- الناس هناك يأكلون لحم الببغاوات ويضعون ريشها على رؤوسهم.
- الأسبان يعاملهم سكان الجزر معاملة كريمة ويبادلونهم الكرات الزجاجية بالذهب.
- لغتهم غير معروفة ونتحدث معهم بالإشارات.
ونحن ندعو العلماء المسلمين المختصين باللغة التركية العثمانية المزيد من الاهتمام بها.