وفي أنفسـكم أفــلا تبصــرون الجهاز البولي

وفي أنفسـكم أفــلا تبصــرون الجهاز البولي

رسم يظهر الجهاز البولي للانسان
يلعب الجهاز البولي دورا بالغ الأهمية في جسم الإنسان فبتعطله عن العمل فإن حياة الإنسان لا يمكن أن تستمر إلا إلى أيام معدودة. ويعتبر العلماء الكلية التي هي أهم مكونات الجهاز البولي أعجوبة بيولوجية بعد أن تمكنوا من معرفة تركيبها وآليات عملها والوظائف المتعددة التي تقوم بها بكفاءة منقطعة النظير. إن الكلية لا يعرف الإنسان قدرها وأهميتها إلا بعد أن تتعطل ولا تتمكن من القيام بوظائفها مما يؤدي بصاحبها إلى الموت المحقق فيما سبق من العصور. أما في هذا العصر فإنه بالإمكان استخدام الكلى الصناعية أو ما يسمى بغسيل الكلى لإنقاذ حياة الشخص حيث يلزم المريض مراجعة المستشفى عدة مرات في الأسبوع ليتم معالجته بهذه الكلية الصناعية لعدة ساعات متواصلة في كل مراجعة. إن من يتفكر في تركيب الجهاز البولي والوظائف التي يقوم بها يوقن تماما أن الذي قام بتصميمه خالق لا حدود لعلمه وقدرته وليس كما يدعي الملحدون أنه قد تم بالصدفة وذلك لما فيه من أفكار خلاقة وتصاميم معقدة لا يمكن أن تخطر على بال البشر. فهذه الكلية التي لا يتجاوز حجمها قبضة اليد تحتوي على مليون وحدة تنقية تسمى النيفرونات وهي ذات تصاميم عجيبة تمكن العلماء من كشف كثير من أسرار تركيبها وآليات عملها وهم يعملون جاهدين لصنع مرشحات صناعية لأجهزة غسيل الكلى تحاكي النيفرونات في عملها ولكن هيهات هيهات أن يتمكنوا من ذلك وصدق الله العظيم القائل "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)" لقمان. 
إن الوظيفة الأولى للجهاز البولي هو إخراج بعض أنواع الفضلات التي تنتجها خلايا الجسم نتيجة للتفاعلات الكيميائية والعمليات الحيوية التي تجري داخلها بلا انقطاع أو ما يسمى بالأيض أو الاستقلاب (Metabolism). وهذه العمليات إما عمليات بناء (Anabolism) تقوم الخلايا خلالها إنتاج مواد عضوية معقدة كالبروتينات والكربوهيدرات والدهون من مواد عضوية بسيطة تحصل عليها من الجهاز الهضمي وإما عمليات هدم (Catabolism) يتم خلالها تفكيك المواد العضوية المعقدة إلى مواد عضوية بسيطة للحصول على الطاقة. وتقوم الخلايا بإخراج هذه الفضلات إلى السائل المحيط بها ومن ثم يتم جمعها باستخدام الشعيرات الدموية لتختلط ببقية مكونات الدم المفيدة. إن أول خطوة تلزم لتصميم الجهاز البولي هو معرفة هذه الفضلات وإذا كان البشر بما يملكون من عقول كانوا يجهلون طبيعة هذه الفضلات فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن الصدفة قد تمكنت من معرفتها ومن ثم قامت بتصميم جهاز يمكنه فصل هذه الفضلات بكل سهولة عن مكونات الدم المفيدة وإخراجها خارج الجسم. لقد تمكن العلماء بعد دراسات مضنية من معرفة أنواع الفضلات التي تنتجها خلايا الجسم وذلك بعد أن تمكنوا من التعرف على مكونات الدم وكذلك مكونات البول.
حيث تقوم الكلية بإفراز هرمون الاريثروبيوتين (Erythropiotein) ‏والذي يقوم بتنشيط خلايا نخاع العظام لتقوم بإنتاج كميات كافية من الكريات وترسلها إلى الدم. أما الوظيفة السابعة فهي تنشيط فيتامين-دال وهو المسؤول عن تنظيم امتصاص الكالسيوم من الأمعاء وترسيبه في العظام. 
إن فشل الكلى في القيام بهذه الوظائف البالغة الأهمية للجسم تؤدي كما ذكرنا سابقا إلى الموت المحقق بعد عدة أيام من حدوث الفشل الكلوي. فبمجرد توقف الكلى عن العمل تبدأ فضلات الأيض بالتراكم في الدم وفي السائل المحيط بالخلايا ويؤدي تراكم اليوريا في الجسم إلى الإصابة بتسمم اليوريا (Uremia) وأول من يتأثر بهذا التسمم الدماغ والجهاز العصبي حيث يصاب الإنسان أولا بالخمول وعدم التركيز والرغبة في النوم ثم التشنج ثم الدخول في الغيبوبة. ويبدأ أيضا عند الفشل الكلوي ارتفاع حموضة الدم والذي يترتب عليه ظهور أعراض كثيرة كالقلق والهيجان وتسارع التنفس واضطراب دقات القلب مما قد يؤدي إلى الموت المفاجئ. ومن الأعراض الأخرى للفشل الكلوي ارتفاع ضغط الدم وصعوبة في التنفس نتيجة احتقان الرئتين والإحساس بألم أثناء التنفس ‏بسبب التهاب الغشاء البلوري المغلف للرئتين نتيجة ترسيب بلورات اليوريا. ومن الأعراض أيضا جفاف الجلد والأغشية المخاطية في الفم والبلعوم ويميل لون الجلد إلى السواد و تنميل وخدر وعدم الاحساس في الأطراف.
وبما أن الوظيفة الرئيسية للكلى هي تنقية الدم من فضلات الأيض وإخراجها مع البول فلا بد من شرح بسيط لمكونات الدم وكذلك مكونات البول ليسهل شرح عمل الجهاز البولي. يتكون الدم من مكونيين رئيسيين وهما خلايا الدم (blood cells) وتشكل ما نسبته 45 بالمائة والبلازما (plasma) وتشكل ما نسبته 55 بالمائة وذلك من حجم الدم الكلي. وتتكون خلايا الدم بدورها من ثلاثة أنواع من الخلايا وهي خلايا الدم الحمراء (red blood cells) وخلايا الدم البيضاء (white blood cells) والصفائح الدموية (platelets) وهذه الخلايا خالية من النوى فلذلك لا يمكنها الانقسام ويحصل عليها الدم من مصانع خاصة في جسم الإنسان. أما البلازما وهي المكون السائل للدم وفيه تسبح خلايا الدم فتتكون من الماء والتي تبلغ نسبته 90 بالمائة من حجمها ومن مواد عضوية تبلغ نسبتها 9 بالمائة ومن مواد غير عضوية تبلغ نسبتها واحد بالمائة. فالمواد العضوية تتكون من مواد نافعة وهي بروتينات الدم وخاصة الألبومين (Albumin ) والغلوبيولين (Globulin) والفيبرينوجين (Fibrinogen) وسكر الجلوكوز ( Glucose) وبعض الدهون (Lipid) والأحماض الأمينية والفيتامينات 
والأنزيمات والهرمونات. وأما المواد العضوية الضارة والتي تفرزها خلايا الجسم كفضلات لعمليات الأيض فهي اليوريا (Urea) بتركيز يتراوح بين 110 و 530 ملليغرام في كل لتر من البلازما والكريتانين (Creatinine) بتركيز يتراوح بين 8 و 12 ملليغرام في كل لتر وحامض اليوريك (Uric acid) بتركيز يتراوح بين 3 و 7 ملليغرام في كل لتر. أما المواد غير العضوية فهي عبارة عن أملاح مكونة من عناصر مرتبة حسب تركيزها وهي الصوديوم والكلور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والبايكربونات (HCO3-) بالإضافة إلى غازات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والنيتروجين. وأما البول وهو ذو لون أصفر فيتكون من الماء حيث تصل نسبته إلى 95 بالمائة من حجم البول ومن اليوريا والتي يبلغ تركيزها في المتوسط 17غرام لكل لتر ومن الصوديوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2.7 غرام لكل لتر ومن الكلور والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 4.4 غرام لكل لتر ومن البوتاسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن الكريتانين والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 1.8 غرام لكل لتر ومن الكالسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن حامض اليوريك والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 0.4 غرام لكل لتر.
لقد ذكرنا فيما سبق أن أول خطوة لتصميم جهاز يقوم بتنقية الدم من الفضلات الضارة هو معرفة أنواع هذه الفضلات وكذلك تركيبها الكيميائي وذكرنا كذلك أنه يستحيل أن يتم ذلك بالصدفة. أما الخطوة التالية فهي تصميم هذا الجهاز والذي سيوقن القارئ أنه لا بد وأن يكون جهاز بالغ التعقيد إذا ما ضربنا له المثال التالي. فلو أننا قمنا بإذابة ملعقة من الملح وملعقة من السكر في كوب من الماء فهل بالإمكان فصل الملح عن السكر من هذا المحلول باستخدام جهاز ما. ومن الطبيعي أن غالبية الناس بما في رؤوسهم من عقول لا يمكنهم أن يقوموا بتصميم مثل هذا الجهاز وربما قالوا أن عملية الفصل هذه قد تكون مستحيلة. أما المختصون في علوم الكيمياء والأحياء فمن خلال دراستهم للمحاليل وأنواعها والطرق المستخدمة لفصل المواد المذابة فقد يتمكنوا من تصميم مثل هذا الجهاز والذي قد يكون بالغ التعقيد. وإذا كان هذا هو الحال مع هذه المحلول 
البسيط الذي يحتوي على نوعين فقط من المواد فلا بد أن يكون الجهاز المراد تصميمه لتنقية الدم من الفضلات الضارة بالغ التعقيد ولا بد أن يبنى على أسس علمية محددة ويحتاج إلى مصمم عليم وخبير.
لقد تمكن العلماء بعد تشريح الكلية ودراسة مكوناتها من العثور على هذا الجهاز العجيب الذي بمكنه القيام بمعظم وظائف الجهاز البولي التي ذكرناها آنفا بكل سهولة وبكفاءة عالية. وهذا الجهاز هو آية من آيات الله في الخلق فقد تم تصميمه بناءا على أسس علمية لم يتمكن العلماء من معرفتها إلا بعد دراسة مضنية لطريقة عمله ولا زالوا يجهلون الكثير عن الآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة.

وبما أن الوظيفة الرئيسية للكلى هي تنقية الدم من فضلات الأيض وإخراجها مع البول فلا بد من شرح بسيط لمكونات الدم وكذلك مكونات البول ليسهل شرح عمل الجهاز البولي. يتكون الدم من مكونيين رئيسيين وهما خلايا الدم (blood cells) وتشكل ما نسبته 45 بالمائة والبلازما (plasma) وتشكل ما نسبته 55 بالمائة وذلك من حجم الدم الكلي. وتتكون خلايا الدم بدورها من ثلاثة أنواع من الخلايا وهي خلايا الدم الحمراء (red blood cells) وخلايا الدم البيضاء (white blood cells) والصفائح الدموية (platelets) وهذه الخلايا خالية من النوى فلذلك لا يمكنها الانقسام ويحصل عليها الدم من مصانع خاصة في جسم الإنسان. أما البلازما وهي المكون السائل للدم وفيه تسبح خلايا الدم فتتكون من الماء والتي تبلغ نسبته 90 بالمائة من حجمها ومن مواد عضوية تبلغ نسبتها 9 بالمائة ومن مواد غير عضوية تبلغ نسبتها واحد بالمائة. فالمواد العضوية تتكون من مواد نافعة وهي بروتينات الدم وخاصة الألبومين (Albumin ) والغلوبيولين (Globulin) والفيبرينوجين (Fibrinogen) وسكر الجلوكوز ( Glucose) وبعض الدهون (Lipid) والأحماض الأمينية والفيتامينات والأنزيمات والهرمونات. وأما المواد العضوية الضارة والتي تفرزها خلايا الجسم كفضلات لعمليات الأيض فهي اليوريا (Urea) بتركيز يتراوح بين 110 و 530 ملليغرام في كل لتر من البلازما والكريتانين (Creatinine) بتركيز يتراوح بين 8 و 12 ملليغرام في كل لتر وحامض اليوريك (Uric acid) بتركيز يتراوح بين 3 و 7 ملليغرام في كل لتر. أما المواد غير العضوية فهي عبارة عن أملاح مكونة من عناصر مرتبة حسب تركيزها وهي الصوديوم والكلور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والبايكربونات (HCO3-) بالإضافة إلى غازات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والنيتروجين. وأما البول وهو ذو لون أصفر فيتكون من الماء حيث تصل نسبته إلى 95 بالمائة من حجم البول ومن اليوريا والتي يبلغ تركيزها في المتوسط 17غرام لكل لتر ومن الصوديوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2.7 غرام لكل لتر ومن الكلور والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 4.4 غرام لكل لتر ومن البوتاسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن الكريتانين والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 1.8 غرام لكل لتر ومن الكالسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن حامض اليوريك والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 0.4 غرام لكل لتر.
لقد ذكرنا فيما سبق أن أول خطوة لتصميم جهاز يقوم بتنقية الدم من الفضلات الضارة هو معرفة أنواع هذه الفضلات وكذلك تركيبها الكيميائي وذكرنا كذلك أنه يستحيل أن يتم ذلك بالصدفة. أما الخطوة التالية فهي تصميم هذا الجهاز والذي سيوقن القارئ أنه لا بد وأن يكون جهاز بالغ التعقيد إذا ما ضربنا له المثال التالي. فلو أننا قمنا بإذابة ملعقة من الملح وملعقة من السكر في كوب من الماء فهل بالإمكان فصل الملح عن السكر من هذا المحلول باستخدام جهاز ما. ومن الطبيعي أن غالبية الناس بما في رؤوسهم من عقول لا يمكنهم أن يقوموا بتصميم مثل هذا الجهاز وربما قالوا أن عملية الفصل هذه قد تكون مستحيلة. أما المختصون في علوم الكيمياء والأحياء فمن خلال دراستهم للمحاليل وأنواعها والطرق المستخدمة لفصل المواد المذابة فقد يتمكنوا من تصميم مثل هذا الجهاز والذي قد يكون بالغ التعقيد. وإذا كان هذا هو الحال مع هذه المحلول 

لقد ذكرنا فيما سبق أن أول خطوة لتصميم جهاز يقوم بتنقية الدم من الفضلات الضارة هو معرفة أنواع هذه الفضلات وكذلك تركيبها الكيميائي وذكرنا كذلك أنه يستحيل أن يتم ذلك بالصدفة. أما الخطوة التالية فهي تصميم هذا الجهاز والذي سيوقن القارئ أنه لا بد وأن يكون جهاز بالغ التعقيد إذا ما ضربنا له المثال التالي. فلو أننا قمنا بإذابة ملعقة من الملح وملعقة من السكر في كوب من الماء فهل بالإمكان فصل الملح عن السكر من هذا المحلول باستخدام جهاز ما. ومن الطبيعي أن غالبية الناس بما في رؤوسهم من عقول لا يمكنهم أن يقوموا بتصميم مثل هذا الجهاز وربما قالوا أن عملية الفصل هذه قد تكون مستحيلة. أما المختصون في علوم الكيمياء والأحياء فمن خلال دراستهم للمحاليل وأنواعها والطرق المستخدمة لفصل المواد المذابة فقد يتمكنوا من تصميم مثل هذا الجهاز والذي قد يكون بالغ التعقيد. وإذا كان هذا هو الحال مع هذه المحلول البسيط الذي يحتوي على نوعين فقط من المواد فلا بد أن يكون الجهاز المراد تصميمه لتنقية الدم من الفضلات الضارة بالغ التعقيد ولا بد أن يبنى على أسس علمية محددة ويحتاج إلى مصمم عليم وخبير.
لقد تمكن العلماء بعد تشريح الكلية ودراسة مكوناتها من العثور على هذا الجهاز العجيب الذي بمكنه القيام بمعظم وظائف الجهاز البولي التي ذكرناها آنفا بكل سهولة وبكفاءة عالية. وهذا الجهاز هو آية من آيات الله في الخلق فقد تم تصميمه بناءا على أسس علمية لم يتمكن العلماء من معرفتها إلا بعد دراسة مضنية لطريقة عمله ولا زالوا يجهلون الكثير عن الآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة.

لقد تمكن العلماء بعد تشريح الكلية ودراسة مكوناتها من العثور على هذا الجهاز العجيب الذي بمكنه القيام بمعظم وظائف الجهاز البولي التي ذكرناها آنفا بكل سهولة وبكفاءة عالية. وهذا الجهاز هو آية من آيات الله في الخلق فقد تم تصميمه بناءا على أسس علمية لم يتمكن العلماء من معرفتها إلا بعد دراسة مضنية لطريقة عمله ولا زالوا يجهلون الكثير عن الآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة.
وعلى الرغم من تعقيد تركيب هذا الجهاز إلا أنه من الصغر بحيث لا يرى بالعين المجردة وقد أطلق العلماء على هذا الجهاز اسم الوحدة الكلوية أو الكليون أو النيفرون (Nephron). يتكون النيفرون من أنبوب دقيق بسمك الشعرة ويبلغ طوله ثلاثة سنتيمترات وأحد جانبيه مغلق والآخر مفتوح حيث يبدأ الجانب المغلق في منطقة قشرة الكلية بجزء منتفخ مزدوج الجدار يسمى محفظة أو كبسولة بومان (Bowman's Capsule) بينما ينتهي الجانب المفتوح بالأنبوبة المجمعة. ويتكون الجدار الداخلي للمحفظة من خلايا طلائية بسيطة (Simple epithelial cells) بينها مسامات تسمح بمرور معظم مكونات بلازما الدم ولا تسمح بمرور خلايا الدم والبروتينات لكبر حجمها. ويوجد في داخل هذه المحفظة شبكة كثيفة من الشعيرات الدموية تبدو على شكل كبة صغيرة تسمى الكبيبة (Glomerulus) حيث تتفرع هذه الشعيرات من شريان صغير يسمى الشرين الوارد (Afferent Arteriole) والذي يتفرع بدوره من أحد فروع الشريان الكلوي الذي يحمل الدم إلى الكلية. إن الشعيرات الدموية في الكبيبة تتحد مرة ثانية وهي في داخلها لتخرج على شكل شريان صغير يسمى الشرين الصادر (Efferent Arteriole) وهو أصغر قطرا من الشرين الوارد لحكمة بالغة سنبينها فيما بعد.وعندما يخرج الشرين الصادر من المحفظة يبدأ بالتفرع إلى شعيرات دموية تلتف حول الأنبوب ثم تتحد لتكون وريد صغير يتحد مع البقية ليكون الوريد الكلوي. ويطلق على محفظة بومان وما تحويه من كبيبة الشعيرات الدموية اسم حويصلة مالبيجي (malpighian corpuscle) أو الحويصلة الكلوية (renal corpuscle). وقد تم تحديد ثلاث مناطق مميزة على طول الأنبوب فالمنطقة الأولى هي الأنبوبة الملتوية الدانية (Proximal Convoluted Tubule) وهى أنبوبة دقيقة ملتوية وسميت بالدانية لوقوعها بالقرب من كرية مالبيجي وتوجد هذه الأنبوبة في قشرة الكلية وتبدو عند تشريح الكلية على شكل حبيبات. أما المنطقة الثانية فهي أنبوبة دقيقة على شكل حرف u تسمى عروة هنلي (Henle's Loop) وتقع في نخاع الكلية وتتكون من فرعين فالفرع النازل له قطر أصغر من قطر بقية الأنبوب أما الفرع الصاعد فنصفه السفلي له نفس قطر الفرع النازل بينما نصفه العلوي فله نفس قطر بقية الأنبوب.
وفي الوحدة الكلوية أو النيفرون تتم عملية تنقية الدم من الفضلات الضارة على مراحل فالمرحلة الأولى تتم في كرية مالبيجي حيث يتوزع الدم القادم من الشرين الوارد في الشعيرات الدموية الكثيرة في الكبيبة ويرتفع ضغطه إلى 50 ملليمتر زئبق مقابل 30 ملليمتر زئبق في الشعيرات العادية وذلك بسبب أن قطر الشرين الصادر من الكبيبة أقل من قطر الشرين الوارد إليها. وبسبب ارتفاع ضغط الدم في هذه الشعيرات الدموية ورقة جدرانها فإن نسبة كبيرة من مكونات بلازما الدم باستثناء البروتينات وخلايا الدم ستترشح من سطحها لتصب في المحفظة ومنها إلى الأنبوب ويسمى السائل الذي يدخل الأنبوب بالراشح (filtrate).
ويتم الحفاظ على حجم ثابت للدم في جسم الإنسان من خلال التحكم بنفاذية الخلايا الموجودة في جدار الأنبوبة المجمعة للبول باستخدام الهرمون المضاد للادرار (anti-diuretic hormone) والذي تفرزه الغدة النخامية (pituitary gland). وتستخدم التغذية الراجعة السالبة (negative feedback) للتحكم بحجم الدم حيث تقوم النهايات العصبية لما يسمى منظمات الحلولية (osmoregulators) الموجودة في منطقة تحت المهاد (hypothalamus) في الدماغ بقياس تركيز الملح في الدم فإذا كان عاليا تعطى الأوامر للغدة بإفراز هذا الهرمون في الدم وعند وصوله إلى الكلية فإنه يقوم بزيادة نفاذية جدار الأنبوبة الجامعة فيتم امتصاص جزء من الماء الموجود في البول ويعيده إلى الدم. إما إذا كان تركيز الملح منخفضا فهذا يعني زيادة كمية الماء في الدم ولذا فإن الأوامر تصدر من الدماغ لوقف إفراز الهرمون فتقل نفاذية جدار الأنبوبة ويخرج الماء الزائد مع البول. أما تركيز الملح في الدم فيتم التحكم به من قبل هرمون الألدستيرون (Aldesterone) الذي تفرزه الغدة الكظرية والذي يعمل على امتصاص الملح من الأنبوبة الملتوية القاصية وإعادته إلى الدم ليرفع مستوى الملح في الدم. ويتم التحكم بمستوى الكالسيوم في الدم من خلال إفراز الهرمون الجاردرقي (Parathyroid hormone) من الغدد الجاردرقية (Parathyroid glands) حيث يوجد مستفبلات حساسة لانخفاض الكالسيوم (Calcium-sensing receptors) في نفس الغدة. ويعمل الهرمون الجاردرقي عند وصوله للكلية على زيادة امتصاص الكالسيوم من البول وإعادته إلى الدم بينما يقوم هرمون الكالسوتينين (Calcitonin harmone ) الذي تفرزه الغدة الدرقية (Thyroid glands) بتخفيض مستوى الكالسيوم في الدم عند ارتفاعه من خلال وقف امتصاصه من البول. ومن الوظائف البالغة الأهمية للكلى هي ضبط الأس الهيدروجيني (potential for Hydrogen (pH)) للدم على قيمة ثابتة. والأس الهيدروجيني هو مقياس لدرجة الحموضة أو القلوية (Acid-Base Balance) في أي محلول وله تدريج يمتد من الرقم 0 ويمثل أشد درجات الحموضة إلى الرقم 14 ويمثل أشد درجات القلوية (القاعدية) بينما يمثل الرقم 7 حالة التعادل كما في الماء النقي. وتبلغ قيمة الأس الهيدروجيني للدم وكذلك للسوائل في داخل الخلايا وخارجها 7.4 أي أنها قلوية بعض الشيء وفي مثل هذا الوسط تقوم الخلايا بمختلف عملياتها الحيوية على أكمل وجه. أما إذا زاد أو نقص الأس الهيدروجيني عن هذا الرقم السحري فإن عمل الخلايا يبدأ بالاختلال تدريجيا وإذا ما تجاوزت قيمته 7.8 أو قلت عن 6.8 فإن الخلايا تتوقف عن العمل وبالتالي موت الإنسان. ويتم ضبط الأس الهيدروجيني عند القيمة 7.4 بشكل بالغ الدقة وبتفاوت لا يتجاوز 0.05 درجة رغم دخول كميات كبيرة من المكونات الحامضية والقاعدية إلى الدم من خلال هضم الطعام أو من خلال العمليات الحيوية التي تقوم بها خلايا الجسم. وتتم عملية الضبط باستخدام آليات مختلفة أولها وجود المواد المنظمة (Buffers) في الدم وهذه المواد تعالج التغير المفاجئ في قيمة الأس فتمتص شوارد الهيدروجين (+H) إذا زادت الحموضة أو تطلقه إذا زادت القلوية ومن أهم المواد المنظمة ثاني أكسيد الكربون والبايكربونات. أما على المدى الطويل فإن الكلى والرئتان تتعاونان على تثبيت الأس الهيدروجيني عند القيمة المطلوبة وذلك من خلال قيام الرئتان بتخليص الدم من ثاني أكسيد الكربون عند زيادة حموضة الدم ومن خلال قيام الكلى بسحب شوارد الهيدروجين (+H) من الدم عند زيادة حموضة الدم أوسحب البايكربونات (HCO3) من الدم عند زيادة قلوية الدم. ومن الوظائف المهمة للكلى هوالتحكم بضغط الدم باستخدام هرمون الأدرينالين (Adrenaline) وكذلك هرمون النورأدرينالين (NorAdrenaline) الذي تفرزهما الغدة الكظرية (adrenal gland) التي تقع فوق الفطب العلوي للكلية. فعند انخفاض ضغط الدم يعمل هذا الهرمون على انقباض الشرايين الطرفية وزيادة ضخ الدم من القلب أما عند ارتفاع ضغط الدم فيعمل هرمون () على انبساط الشرايين الطرفية وتقليل ضخ الدم من القلب.
يتكون الجهاز البولي من أربع مكونات رئيسية وهي الكليتان (kidneys) والحالبان (ureters) والمثانة (bladder) والاحليل (urethra). فالكليتان تقعان في الجزء الخلفي من البطن على جانبي العمود الفقري على مستوى الفقرات القطنية العليا والكلية اليسرى تقع في مستوى أعلى قليلا (بمقدار سنتيمتر ونصف) عن الكلية اليمنى بسبب وجود الكبد في الناحية اليمنى من البطن. والكلية حمراء اللون تشبه حبة الفاصوليا في شكلها وهي بحجم قبضة اليد حيث يبلغ متوسط طولها بين قطبيها 12 سنتيمتر أما عرضها فيبلغ نصف طولها أي 6 سنتيمتر وأما سمكها فيبلغ نصف عرضها أي 3 سنتيمتر وذلك في المتوسط. ويتراوح وزن الكلية عند الذكر بين 125 غرام و 175 غرام بمتوسط يبلغ 150 غرام وعند الأنثى بين 115 غرام و 155 غرام بمتوسط يبلغ 135 غرام.
ويوجد فوق القطب العلوي لكل كلية غدة بالغة الأهمية للجسم وهي الغدة الكظرية (adrenal gland) وهي على شكل طربوش يغطي الجزء العلوي من الكلية ويبلغ قطرها خمسة سنتيمترات وتتكون كما في الكلية من قشرة ونخاع ويتفرع لها من الشريان والوريد الكلويان شريان ووريد . وتفرز الغدة الكظرية عدد كبير من الهرمونات حيث يفرز من لب الغدة بأمر من الدماغ هرمون الأدرينالين (Adrenaline) وكذلك هرمون النورأدرينالين (NorAdrenaline) والتي تتحكم في ضغط الدم. أما قشرة الغدة فتفرز مجموعة من الهرمونات الستيرودية القشرية فالقشرانيات السكرية كالكورتيزول (Cortisol) تعمل على تنظيم استخدام الغذاء المهضوم والتكييف مع الإجهاد وتخفيف الحساسية وذلك عندما تستثار بهرمون آخر تنتجه الغدة النخامية وهو الهرمون المنشط لقشرة الكظر (Adreno Corticotrophic Hormone). أما القشرانيات المعدنية كالألدوستيرون (Aldosterone) فيعمل على تنظيم امتصاص الصوديوم والبوتاسيوم في الكلية عندما تستثار من قبل هرمون الرنين (Renin) الذي تنتجه الكلية نفسها. وأما هرمون الغدة الكظرية الأساسي ( Dehydroepiandrosterone ) فيعمل على تقوية الجهاز المتاعي وإصلاح الأنسجة والحد من أمراض الشيخوخة. وتفرز الغدة الكظرية هرمونات جنسية كالهرمونات الذكرية المسماة بالأندروجينات والتي تتحكم ببعض الخواص الجنسية لما قبل البلوغ للذكور والإناث.
أما الحالب فهو أنبوب رفيع يصل بين حوض الكلية والمثانة ويتراوح طوله في الإنسان البالغ بين 20 و 25 سنتيمتر بينما يبلغ قطره نصف سنتيمتر. ويتكون جدار الحالب من ثلاث طبقات وهي الطبقة الخارجية المكونة من أنسجة ضامة ليفية لحمايته من الخارج والطبقة الوسطى والمكونة من عضلات ملساء دائرية وطولية والطبقة الداخلية وهي طبقة مخاطية تفرز مخاطا يحمي الحالب من مكونات البول. وتقوم عضلات الحالب بالانبساط والانقباض بشكل دوري كل ربع دقيقة بحيث تقوم بسحب البول من الكلية وتدفعه إلى المثانة وذلك مهما كانت وضعية الجسم. ويدخل الحالب المثانة من الخلف بشكل مائل في داخل جدارها وذلك لكي تقوم عضلات المثانة عند امتلائها بالضغط على الحالب فتقوم بإغلاقه فيعمل كصمام يمنع رجوع البول إلى الكلية. ولو أن تصميم الحالب قد تم بالصدفة أو حتى لو وكل الأمر للبشر لتصميمه لكان الحالب أنبوبا عاديا لا وجود لهذه العضلات الماصة فيه. وفي هذا الحال فإن البول لن يخرج من الكلية إلا إذا كان الإنسان واقفا أما إذا استلقى فإن البول سيتجمع في حوض الكلية وستتوقف عن عملية تنقية الدم ويصاب الإنسان بالتسمم. 
أما المثانة فتقع في الجزء الأمامي من الحوض وهي عبارة عن غشاء عضلي مجوف لها شكل شبه بيضاوي ويمكنها أن تتسع لكمية من البول تتراوح بين 300 و 400 ملليلتر. وجدار المثانة مكون من عدة طبقات فالطبقة الداخلية طلائية تحمي أنسجة جدار المثانة من مكونات البول المختلفة تليها طبقات من الألياف العضلية الملساء ثم الغشاء الخارجي. وهذا الجدار وبسبب التصميم البديع لأشكال العضلات فيه يمكنه التمدد بشكل كبير جدا ويمكنه كذلك التقلص تحت سيطرة الأعصاب القادمة من الدماغ لإخراج البول من المثانه بشكل كامل. ويتم التحكم بعضلات المثانة من خلال نوعين من الأعصاب وهي الأعصاب الودية (sympathetic) التي تعمل على إرخاء عضلات المثانة والأعصاب غير الودية (parasympathetic) التي تعمل على تقلصها. ويوجد في جدار المثانة كذلك أعصاب حسية (Sensory nerves) تقوم بإرسال إشارات عصبية للدماغ عندما تمتلئ المثانة فيشعر الإنسان بالرغبة في التبول ولكنه لا يبول إلا بإرادته. أما الإحليل (Urethra) فهو الأنبوبة التي تخرج البول من المثانة إلى خارج الجسم ويبلغ متوسط طوله 20 سم في الذكر و 4 سم في الأنثى وتحيط بقسم من إحليل الذكر غدة البروستات. وتوجد في جدار الاحليل عند التقائه بالمثانة العضلة القابضة الداخلية بينما تحيط به على بعدة عدة سنتيمترات العضلة القابضة الخارجية حيث تعمل العضلتان كصمامات تمنع خروج البول من المثانة إلا إذا أعطيت الأوامر لهما من الدماغ لينبسطا ويفتحا الاحليل لكي يخرج البول وذلك بطريقة إرادية. إن وجود مثل هذه الصمامات التي تتحكم بعملية التبول عند الإنسان لهو أكبر دليل على أن الذي صنعها صانع خبير حكيم لطيف يهمه سبحانه وتعالى مصلحة الإنسان وهي أن لا يتبول الإنسان على نفسه بشكل لاإرادي فتهان كرامته. فمن الناحية البيولجية البحتة كان الأولى أن يرشح البول بشكل مستمر من خلال حالب بسيط ولا داع لوجود أجهزة معقدة كالمثانة والاحليل والصمامات وما تحكمها من أعصاب مرتبطة بالدماغ تقوم بحبس البول الضار داخل الجسم لحين إعطاء الأمر بإخراجه.

إن هذه الكلى العجيبة لا يدرك أكثر الناس أهميتها ولا يقدرون حق من خلقها لهم حق قدره إلا إذا تعطلت لا سمح الله عن العمل وفشلت في القيام بوظائفها المختلفة. ولقد كان الموت هو النتيجة الأكيدة للشخص الذي تتعطل كلاه عن العمل وذلك قبل اختراع أجهزة غسيل الكلى قبل ما يقرب من ستين عاما وكذلك قبل ظهور عمليات زراعة الكلى قبل خمسين عاما. إن أجهزة غسيل الكلى الحديثة لا تقوم إلا بوظيفة واحدة أو وظيفتين فقط من وظائف الكلى العديدة التي شرحناها آنفا ولذلك نجد أن الشخص المصاب بفشل الكلى يعاني من أمراض كثيرة بسبب ذلك ولا بد من معالجته بالأدوية بشكل مستمر. و يتكون جهاز غسيل الكلي أو بمسمى أصح جهاز تنقية الدم (hemodialysis) من أنابيب ترشيح مصنعة من مادة السيلوفين (Cellophane) يتم غمسها في محلول التنقية (Dialysate) بينما يتم تمرير الدم الذي يؤخذ من أحد شرايين المريض في هذه الأنابيب ومن إرجاعه إلى أحد الأوردة. إن مادة السيلوفين لا تسمح بمرور خلايا الدم والبروتينات من خلالها ولكنها تسمح بمرور الماء والأملاح والفضلات الضارة بالجسم وهي اليوريا والكريتانين وحامض اليوريك. وإذا ما تم ضبط تركيز الأملاح المختلفة في محلول التنقية فإن الفضلات الضارة ستنتقل من الدم إلى المحلول بسبب تركيزها العالي في الدم وغيابها في المحلول النقي. أما الماء والأملاح فإنها ستنتقل من الدم إلى المحلول أو العكس وذلك حسب تركيزها فيهما. إن جهاز غسيل الكلى بسيط التركيب إذا ما ما اقتصر على جهاز الترشيح (dialyzer) وهي الأنابيب ولكنه في الواقع جهاز بالغ التعقيد حيث يحتاج إلى مكونات أخرى كثيرة تضمن نجاح عملية الغسيل. فالجهاز يحتاج أولا لمضختين الأولى لضخ الدم من الجسم إلى المرشح والأخرى لضخ المحلول ويحتاج لمكون يضخ مادة تمنع تجلط الدم عند خروجه من الجسم ومكون آخر لمنع دخول الهواء إلى الدم بالإضافة إلى أجهزة المراقبة المختلفة. وعلى الإنسان العاقل أن يقدر نعمة الله عليه بأن جعل في جسمه هاتين الكليتين الصغيرتين اللتين تعملان بلا توقف وبكفاءة عالية طول عمره وصدق الله العظيم القائل "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)" لقمان. 
المراجع
1- القرآن الكريم
2- مواقع متفرقة على الإنترنت
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي 
وتنقسم الفضلات إلى نوعين رئيسين وهي الفضلات الكربونية والفضلات النيتروجينية فالفضلات الكربونية والتي أهمها ثاني أكسيد الكربون فتخرج من خلال الرئتين وأما الفضلات النيتروجيتية والتي أهمها اليوريا والأمونيا وحامض اليوريك والكريتانين فتخرج من خلال الكلى. وبسبب السمية العالية للأمونيا (Ammonia (NH3)) فإنه من لطف الله بعباده أن الجسم يقوم بتحويلها إلى اليوريا ذات السمية الأقل ويتم ذلك في الكبد. ويقوم الجهاز البولي كذلك بتنقية الدم من أي مواد غريبة قد تدخل إلى الجسم عن طريق الجهاز الهضمي أو عن طريق الحقن من خلال الجلد كالعقاقير والأدوية والمواد المخدرة والسموم بمختلف أنواعها. أما الوظيفة الثانية للجهاز البولي فهي الحفاظ على حجم ثابت للدم في جسم الإنسان ويتم ذلك من خلال التحكم بكمية الماء الموجودة فيه ولذلك نجد أنه مهما بلغت كمية الماء الذي يشربه الإنسان فإن الكلى تقوم بإخراج الماء الزائد مباشرة وإلا أصيب الإنسان بالتسمم المائي (Water intoxication‏). ويحدث التسمم المائي نتيجة لزيادة كمية الماء في الدم وبالتالي في خلايا الجسم التي تبدأ بالانتفاخ نتيجة للماء الزائد فيها مما يؤدي إلى اختلال في تركيز مكوناتها وبالتالي فشلها بالقيام بوظائفها. وأما الوظيفة الثالثة فهي الحفاظ على توازن مختلف أنواع الأملاح في الدم وبالتالي في الجسم حيث تقوم الكلى بالتخلص من الأملاح الزائدة في الدم بشكل مستمر أو ترسل إشارات لبعض أعضاء الجسم لتزويد الدم بالأملاح عند نقصانها.
 وأما الوظيفة الرابعة فهي ضبط الأس الهيدروجيني (pH) على قيمة ثابتة وهي 7.4 ويتم ذلك من خلال زيادة شوارد الهيدروجين (+H) في الدم عند نقصان حموضة الدم وزيادة البايكربونات (HCO3) عند نقصان قلوية الدم. أما الوظيفة الخامسة فهي التحكم بضغط الدم حيث تقوم الكلى عند انخفاض الضغط بإفراز هرمون الرينين ( Rennin) والذي يقوم بتحفيز مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تعمل على انقباض الشرايين الطرفية وكذلك زيادة ضخ الدم من القلب مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط. أما عند انخفاض الضغط فإنها تقوم بإفراز هرمون البروستاجلاندين والذي يقوم بتحفيز مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تعمل على توسعة الشرايين الطرفية وكذلك تقليل ضخ الدم من القلب مما يؤدي إلى انخفاض الضغط. أما الوظيفة السادسة فهي تنظيم معدل إنتاج كريات الدم الحمراء
 أما المنطقة الثالثة فهي الأنبوبة الملتوية القاصية (Distal Convoluted Tubule) وتوجد في منطقة القشرة وسميت بالقاصية لوقوعها بعيداً عن كرية مالبيجي وهي تصب في الأنبوبة المجمعة. والأنبوبة المجمعة (Collecting Tubules) هي أنبوبة مستقيمة تصب فيها الأنابيب الملتوية البعيدة لعدد من النيفرونات وتوجد في منطقة النخاع وتتجمع هذه الأنبوبة مع أنابيب مجّمعة أخرى لتكون أنابيب أكبر تصب في النهاية في حوض الكلية.
 وتسمى هذه المرحلة من الترشيح بالترشيح الفائق (Ultra-filteration) حيث ترشح نسبة كبيرة من الفضلات الضارة وهي اليوريا وحامض اليوريك والكريتانين وكذلك المكونات النافعة وهي الماء وسكر الجلوكوز والأحماض الأمينية والأملاح المختلفة. وتتجلى لنا قدرة الخالق سبحانه وتعالى في تصميم كرية مالبيجي للحصول على هذا الترشيح الفائق وذلك من خلال آليتين وهي أولا تفريع الشرين الوارد إلى عدد كبير من الشعيرات الدموية لزيادة مساحة سطح الترشيح وثانيا من خلال تضييق الشرين الصادر من الكبيبة وذلك لزيادة ضغط الدم في الشعيرات مما يدفع البلازما للخروج من مسامات الشعيرات الدموية. إن إختيار عدد وأطوال الشعيرات في الكبيبة وكذلك نسبة قطري الشرين الوارد والصادر يجب أن يتم بتقدير بالغ بحيث لا يتم خروج جميع بلازما الدم من الكبيبة بل يجب أن تبقى كمية كافية من البلازما لحمل بقية مكونات الدم التي لا يمكنها الخروج كخلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح والبروتينات وإلا لتجلط الدم المتبقي ولانسدت الشرايين. أما المرحلة الثانية من الترشيح فهي الترشيح الاختياري (Selective filtration) أو ما يسمى أيضا عملية إعادة الامتصاص (Reabsorption) والتي تتم في في المناطق الثلاث لأنبوب النيفرون وفي الأنبوبة المجمعة. إن وظيفة هذا الترشيح الاختياري هو إخراج جميع مكونات البلازما المفيدة من الأنبوب ليتم إعادة امتصاصها من قبل الشعيرات الدموية الملتفة حوله والإبقاء على الفضلات الضارة وهي مكونات البول داخله وهنا يكمن السر الأكبر في عمل النيفرون. ولقد تمكن العلماء من كشف تركيب هذا الأنبوب العجيب والآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة بكل كفاءة على الرغم من أنه يبدو في الظاهر أنبوب بسيط التركيب. لقد اكتشف العلماء أن الخلايا المستخدمة في بناء جدار كل جزء من أجزاء الأنبوب الثلات التي شرحناها آنفا عبارة عن خلايا متخصصة يمكنها التحكم بنوع المكونات التي تمر من بينها ولكل جزء من الأنبوب خلاياه الخاصة. وتتم عملية خروج المكونات المفيدة من الأنبوب بأحد طرق ثلاث وهي النقل السلبي (passive transport) أو الأسموزي (osmosis) حيث تنتقل المواد من الوسط الأعلى تركيزا إلى الأقل تركيزا. أما الثانية فهي النقل الفعال (active transport) وهي نفس الطريقة المستخدمة في غشاء الخلايا الحية حيث يمكن للمواد أن تنتشر من التركيز الأقل إلى الأعلى مع بذل قدر من الطاقة للقيام بذلك. أما الطريقة الثالثة فتعتمد على التحكم بسعة فتحات مسامات الأنبوب باستخدام بعض أنواع الهرمونات. ويلعب التصميم البديع لعروة هنلي دورا مهما في قيام النيفرون بوظائفه فالفرع النازل من العروة يسمح بخروج الماء منه ولا يسمح بمرور الملح بينما يعمل الفرع الصاعد عكس ذلك. وبسبب الاختلاف في تصميم الفرعين فإنه يؤدي إلى تكون تدرج (gradient) في تركيز الأملاح حولها بحيث يكون تركيز الملح فيه عاليا في الأسفل وهي منطقة نخاع الكلية وخفيفا في الأعلى في منطقة القشرة مما يساعد على إعادة امتصاص الماء من الأنبوبة المجمعة. ويتم إعادة امنصاص نسبة كبيرة قد تصل إلى 75 يالمائة من مكونات الدم المفيدة كالماء والأملاح والأحماض الأمينية والسكر والفيتامينات في الأنبوبة الملتوية الدانية. وبمجرد خروج هذا المواد خارج الأنبوبة فإن الشعيرات الدموية الملتفة حول الأنبوبة تقوم بامتصاصها وإعادتها إلى الدم. أما الجزء النازل من عروة هنلي فيسمح بمرور الماء إلى خارجه بفعل النقل الأسموزي ولكن لا يسمح بخروج الأملاح وبالتالي فإن الراشح يفقد الماء عبر جدار الأنبوب إلى خارجها مما يؤدي إلى زيادة تركيز المواد المذابة فيه كلما نزل إلى الأسفل أما الجزء الصاعد من العروة فيسمح بخروج الأملاح من الأنبوب من خلال الانتشار أو النقل الفعال. أما الأنبوبة الملتوية البعيدة فتعمل على امتصاص الماء والأملاح بطريقة محكومة بحيث تحافظ على توازن كمياتها في الدم كما سنبين ذلك لاحقا وتعمل كذلك على إدخال بعض المكونات من الدم كالبوتاسيوم وشوارد الهيدروجين إلى داخل الأنبوبة لأغراض ضبط تركيب الدم أو تخليص الدم من بعض المواد الضارة كالأمونيا ومخلفات العقاقير والسموم من خلال النقل النشط. وعندما يصل الراشح إلى الجزء العلوي من الأنبوبة الجامعة يكون قد أعاد معظم المواد المفيدة كالماء والأملاح وغيرها إلى الدم ويعتبر الراشح في هذه الحالة أقرب ما يكون إلى البول. وخلال مرور الراشح في الأنبوبة الجامعة فإنه بالإمكان إعادة كمية من الماء إلى الدم تحت تأثير الهرمون المضاد للتبول (Antidiuretic hormone) مما يرفع من تركيز الراشح ويتحول إلى بول صرف أما في غياب هذا الهرمون فإن الماء الموجود في الراشح لن يخرج من الأنبوبة ويصبح البول خفيف التركيز.

 ويغلف الكلية غطاء من الشحم يعمل على تثبيتها وحمايتها من الصدمات وكذلك من البرد الذي قد يؤثر على كفاءة العمليات الحيوية التي تقوم بها, وتتكون الكلية من عدة طبقات وهي من الخارج المحفظة وهي طبقة رقيقة زلقة تغلف كامل الكلية. ثم تليها القشرة الكلوية (cortex) والتي تحتوي على الجزء العلوي والأكبر من أجسام النيفرونات وكذلك الشعيرات الدموية التي تغذيها وتلك التي تخرج منها. ثم يليها لب أو نخاع الكلية (Medulla) ويحتوي على أهرام الكلية (Pyramids) والتي تتجه رؤوسها إلى حوض الكلية وتتكون هذه الأهرام من الجزء السفلي من أجسام النيفرونات وهي عروة هنلي والأنابيب المجمعة ويمر من بين الأهرامات الشعيرات الدموية التي تتفرع من الشريان الكلوي والوريد الكلوي. وتحتوي المناطق المحيطة بالأهرامات في طبقة النخاع عضلات ملساء تعمل على عصر الأهرامات لتخرج البول من الأنابيب المجمعة إلى حوض الكلية. أما الطبقة الداخلية للكلية فهي حوض الكلية (pelvis) وهي عبارة عن تجاويف متعددة تبدأ صغيرة عند رؤوس الاهرامات تسمى الكؤوس الصغيرة (Minor Calices) ثم تلتقي هذه مع بعضها لتكون تجاويف أكبر تسمى الكؤوس الكبيرة (Major Calices) ثم تلتقي هذه لتكون حوض الكلوية. ويدخل الدم إلى الكلية عند سرتها (sinus) من خلال الشريان الكلوي (Renal Artery) الذي يتفرع من الشريان الأبهر البطني (Abdominal Aorat) ثم يعود الدم المنقى من خلال الوريد الكلوي (Renal Vein) والذي يصب في الوريد الأجوف السفلي (inferior vena cava). وتحتوي الكلية على ما يقرب من مليون نيفرون وهو وحدة الترشيح الأساسية وقد شرحنا تركيبه وآليات عمله آنفا وهي موزعة على أهرامات الكلية التي يقدر عددها باثني عشر هرما. وبما أن كل نيفرون يدخله شرين دموي واحد وهو الشرين الوارد فإن الشريان الكلوي يجب أن يتفرع إلى مليون شرين لتغذية المليون نيفرون. وكذلك هو الحال مع الوريد الكلوي الذي يجب أن يتفرع إلى مليون وريد شعري حيث أن الشرين الصادر من حويصلة مالبيجي بعد أن يتفرع إلى شبكة من الشعيرات الدموية التي تلتف حول أنبوب النيفرون تبدأ بالاتحاد لتكون وريد شعري يخرج من كل نيفرون. إن الإنسان ليصيبه الذهول بل إن رأسه ليتصدع وهو يفكر في طريقة تمديد هذه الملايين من الأوردة والشرايين بحيث يصل كل منها إلى النيفرون الخاص به وذلك في داخل هذه الكلية التي يتجاوز حجمها قبضة اليد. وإني أشهد وكذلك يشهد كل من أنار الله عز وجل بصيرته أن هذا التمديد لا يمكن أن يقوم بها البشر ولو اجتمعوا له بل لا يقوم به إلا خالق لا حدود لعلمه وقدرته سبحانه وتعالى. وتستلم الكليتان ما نسبته عشرين بالمائة من الدم الذي يضخه القلب وذلك لتنقيته من الفضلات الضارة وتعالج الكليتين في اليوم الواحد ما يقرب من 180 لتر من الدم وتخرج ما معدله لتر ونصف لتر من البول في اليوم. 


ثلاث رسائل تبادلها سلاطين المسلمين مع ملوك أوروبا / كيف كُنا ؟

ثلاث رسائل تبادلها سلاطين المسلمين مع ملوك أوروبا / كيف كُنا ؟


بقلم الدكتور: عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
الرسالة الأولى:
بعث جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد برسالة إلى السطان هشام الثالث في الأندلس، جاء فيها:
إلى صاحب العظمة / خليفة المسلمين / هشام الثالث الجليل المقام ....
من جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد ...
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل... لتكون بداية حسنة لاقتفاء أثركم، لنشر العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة.
وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وفي حماية الحاشية الكريمة..
وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع
جورج الثاني [1]
====================
الرسالة الثانية:
بعث ريتشارد قلب الأسد برسالة إلى صلاح الدين الأيوبي جاء فيها:
من ريكاردوس قلب الأسد ملك الإنجليز إلى صلاح الدين الأيوبي ملك العرب
أيها المَولَى..
حامل خطابي هذا بطل باسل صنديد، لاقى أبطالكم في ميادين الوغى، وأبلى في القتال البلاء الحسن، وقد وقعت أخته أسيرة، فقد كانت تدعى (ماري) وصار اسمها (ثريا).
وإن لملك الإنجليز رجاء يتقدم به إلى ملك العرب وهو: إما أن تُعيدوا إلى الأخ أخته، وإما أن تحتفظوا به أسيراً معها، لا تفرِّقوا بينهما ولا تحكموا على عصفور أن يعيش بعيداً عن أليفه.
وفيما أنا بانتظار قراركم بهذا الشأن، أذكِّركم بقول الخليفة عمر بن الخطاب ـ وقد سمعته من صديقي الأمير حارث ـ وهو: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ".
فردَّ عليه صلاح الدين على رسالة ريتشارد..
من السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى ريكاردوس ملك الإنجليز
أيها الملك: صافحتُ البطل الباسل الذي أوفدتموه رسولاً إليّ، فليحمل إليكم المصافحة مما عرف قدركم في ميادين الكفاح.
وإني لأحب أن تعلموا بأنني لم أحتفظ بالأخ أسيراً مع أخته؛ لأننا لا نُبقي في بيوتنا سوى أسلاب المعارك، لقد أعدنا للأخ أخته. وإذا ما عمل صلاح الدين بقول عمر بن الخطاب، فلكي يعمل ريكاردوس بقولٍ عندكم: " أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". فرُدَّ أيها الملك الأرضَ التي اعتصبتَها إلى أصحابها، عملا بوصية السيد المسيح عليه السلام. [2]
=============
الرسالة الثالثة:
ملك بريطانيا (جون لاكلاند) يعرض الدخول تحت ظل دولة الخلافة الإسلامية
في عام 1213م أرسل (جون لاكلاند) ملك إنجلترا وفدا سرياً مكونا من ثلاثة أشخاص إلى (محمد الناصر) حاكم المغرب وإفريقيا وإسبانيا جاء فيها أنه يسره أن يضع بريطانيا أمانة بين يديه ويتخلى عن الاعتقاد بالديانة المسيحية ويتمسك ويلتزم بكل إخلاص بدين وعقيدة محمد.
ولكن محمد الناصر رفض هذا العرض لأنه عدَّ ملك إنجلترا أحمق لا يستحق التحالف معه، ومما جاء في رده:
" لم أقرأ أو أسمع قط أن ملكاً يمتلك مثل هذه البلاد المزدهرة الخاضعة المطيعة له عن طواعية، يقوم بتدمير سيادته واستقلاله بجعل بلده الحر يدفع الجزية لغريب، فماً أنها يجب أن تكون ملكه وحده.. ".
ثم برر رفضَ عرض ملك بريطانيا بالحلف معه لأنه: " ملك ضيِّق الأفق والتفكير وأحمق وخرف وغير جدير بالتحالف معي ".
ولما قرأ الملك رد محمد الناصر بكى، وغضب من الوفد وطالبهم بأن لا يجعلونه يراهم مجدداً !     [3]

السبق الإسلامي في اكتشاف أمريكا ووضع خرائطها الدقيقة

السبق الإسلامي في اكتشاف أمريكا ووضع خرائطها الدقيقة

صورة لسفينة مشابهة لسفينة كولومبس
صورة لشعار سفينة كولومبس
صورة لكريستوفر كلومبس

صورة للخريطة التي أستخدمها كريستوفر كولومبس أضغط على الصورة لتكبيرها
صورة للخريطة التي رسمها بيري رئيس الجغرافي التركي المسلم تظهر على  اليسار خريطة لشواطئ القارة الأمريكية الشمالية والجنوبية أما على اليسار فتظهر خاطرة لشواطئ القارة الأفريقية أضغط على الصورة لتكبيرها.
هذه الخريطة تبين مدى دقة عمل المسلمين، قارن حواف قارة أمريكا بصورتها المعروفة حالية، مع الخريطة التي رسمها المسلمون

إعداد: د. عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير / جامعة الزرقاء الأردنية
رغبةً في نشر الدين النصراني، ووجود الدولة العثمانية التي وضعت العراقيل أمام تجارة أوروبا مع الشرق الأقصى في أواخر القرن الخامس عشر، فضلاً عن الضرائب الجمركية المتصاعدة التي كان يفرضها مماليك مصر، بدأ الناس في أوروبا يتساءلون عن إمكانية الوصول إلى الهند مباشرة للتخلص من سيطرة العثمانيين المتزايدة على تجارتهم.
ومن هنا بدأت حركة الكشف الجغرافي الأوروبي للبرتغال وإسبانيا، وإن اختلفت كل منهما عن الأخرى في التوجه، فبينما اتجهت كشوف البرتغال إلى غرب إفريقيا شرقًا حتى منطقة جزر الهند الشرقية من خلال طريق رأس الرجاء الصالح، نجد إسبانيا اتجهت كشوفها غربًا لتصل إلى نفس الهدف.
وهنا بدأت الرحلة الشهيرة لكولومبوس الذي اكتشف أمريكا، والمعلوم أن كولومبوس مات عام (1506م=912هـ) وهو يعتقد أنه وصل إلى آسيا، وأن الجزر التي اكتشفها إنما هي تلك التي توجد بالقرب من الهند، ومن هنا ترجع تسميتها إلى جزر الهند الغربية، وكذلك تسمية سكانها الأصليين بالهنود، ولم تلبث الأذهان أن أخذت تشك في أن هذه الأرض التي وصل إليها كولومبس هي آسيا ولاسيما بعد تلك الرسالة التي نشرها "أميركو فسبوتشي".


الإسهام غير المباشر للعرب المسلمين في اكتشاف أمريكا:
في مجال (الجغرافيا الوصفية) قدم الجغرافيون العرب والمسلمون نظريات حول شكل الأرض تؤكد كرويتها للجغرافي الأندلسي المسلم "أبو عبد الله البكري" وللتدليل على هذه الفكرة قدم عالم آخر اسمه أبو الفدا (ولد 1273م/672هـ) بعض الأدلة المنطقية عليها مثل تغير وقت شروق الكواكب وغروبها كلما تحرك الشخص من الشرق إلى الغرب، وتزايد ارتفاع النجم القطبي والكواكب الشمالية كلما تقدم الشخص نحو الشمال، وفكرة كروية الأرض هي التي انطلق منها كولومبس في رحلته الاستكشافية نحو الغرب والتي وصل من خلالها إلى العالم الجديد.
ويضاف إلى ذلك إسهام المسلمين في فكرة خطوط الطول ودوائر العرض، ووصول المسلمين إلى درجة عالية من الإتقان في القياس، ففي القرن العاشر الميلادي ذكر "المقدسي" أن الأرض كروية، وأن خط الاستواء يقسمها نصفين، وأن محيطها مقسم إلى 360ْ درجة طولية 180ْ درجة عرضية، كما أن البيروني كان أستاذًا في نفس الموضوع، وقد وضع أرقامًا دقيقة لدوائر عرض عدد كبير من الأماكن، وكانت الطريقة التي استخدمها في حسابها مبنية على رصد النجوم التي تدور حول القطب.
وقد كانت صناعة الأجهزة من ضمن الإنجازات العلمية الهامة للمسلمين، ومن أشهر هذه الأجهزة جهاز الإسطرلاب، والساعة المائية والمزولة التي كان خط العرض يوضح عليها بدقة، وكذلك البوصلة التي استخدمها العرب في أوقات مبكرة كما أشار الإدريسي، وكل هذه الأدوات استعان بها كولومبس في رحلته نحو أمريكا.
وأيًا ما كان الأمر فإننا نعتقد أن كولومبس ما كان له أن يصل إلى اكتشاف أمريكا بدون الاستفادة من هذه الخلفية المعرفية الجغرافية التي قدمها علماء المسلمين بالإضافة إلى أن ثلث بحارته كانوا من العرب.
سبق العرب والمسلمين في الوصول إلى أمريكا:
أصدر الدكتور يوسف ميروا في دراسة حديثة بالإنجليزية تفيد أن كثيرًا من المؤرِّخين يؤكدون أن المسلمين وصلوا إلى شواطئ أمريكا قبل كولومبس بـ 500 عام، ويستدلون ابتداءً بما ذكره الجغرافي والمؤرخ المسلم المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعدن الجوهر” من أن بحارًا مسلمًا يدعى ابن سيد القرطبي أبحر من الشاطئ الغربي للأندلس في عام 889م وسار في اتجاه مستقيم حتى وصل إلى شاطئ كبير رجع منه محملاً بكنوز كثيرة، أيضًا رسم المسعودي في خرائطه مناطق في المحيط الأطلسي (غرب القارة الإفريقية والأوروبية) سماها الأرض المجهولة. وأما كولومبس نفسه فقد ذكر في رسائله ومذكراته إشارات تصلح للاستدلال؛ إذ أورد أنه رأى جزيرة حمراء (في رحلاته لأمريكا) يحكمها رجل عربي ينادى بأبي عبد الله، كما اكتشف أن أهالي
جزيرة سان سلفادور يتكلّمون ببعض الكلمات ذات الأصول العربية مع بعض التحريف في النطق، وذكر أنه رأى في الهندوراس قبيلة سوداء مسلمة يطلق عليهم لقب إمامي. وفي مذكراته الشخصية ذكر كولومبس أنه شاهد مسجدًا في كوبا فوق رأس جبل، كما أن الأسلحة التي يستخدمها سكان هاييتي هي نفسها التي كانت تستعمل في إفريقيا.
وكتب المؤرِّخ الأمريكي وينر أستاذ التاريخ بجامعة هارفرد يقول: إن كولومبس فهم أنه كان يوجد مسلمون في العالم الجديد، وانحدروا من غرب إفريقيا، وانتشروا من الكاريبي إلى مناطق مختلفة في شمال وجنوب أمريكا، وأضاف وينر أن مجموعات من هؤلاء التجار تزاوجوا مع هنود الأمريكتين. ويضيف الدكتور يوسف أن العديد من المصادر الإسلامية تحدَّثت عن رحلات بحرية تمّت في المحيط الأطلسي مثل كتاب الإدريسي “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” و”مسالك الأبصار في ممالك الأمصار”.. وفي كتابه “قصة أمريكا” أورد المؤرخ باري نيل الكثير من الأدلة (بلغت 565 تسجيلاً) تشير لتواجد المسلمين في أجزاء من أمريكا، ومن بين هذه الأدلة خرائط وآثار وأسماء عربية مثل مكة (اسم لقبيلة هندية)، ومنى وأحمد ومحمد والمرابطين، إضافة إلى
كثير من العادات والتقاليد التي تؤكّد وجود اتصال بين هنود أمريكا والمسلمين العرب. أيضًا ذكر (إفن سيرتيما) في كتابه “جاءوا قبل كولومبس” عددًا من الأدلة على وصول أفارقة إلى أمريكا. ولم يفت الباحث أن يستشهد بما كتبه المستشرق الإنجليزي دي لاسي بما أورد في كتابه “الفكر العربي ومكانه في تاريخ الغرب” حيث ذكر الرحلات التي قام بها المسلمون في عام 1312م.
أمير البحر العثماني أمير البحر العثماني بيري رئيس وجهوده في وضع خرائط أمريكا:
في عام 1929م اكتشف مدير المتاحف الوطنية السيد خليل أدهم خارطة لم تكن معروفة حتى ذلك الوقت للعالم وذلك خلال عملية تصنيف الملفات في أبنية قصر طوب قابي Top Kapi قصر السلاطين العثمانيين الواقع في أجمل أحياء استانبول.
ما يهمنا هنا ما رسمه بيري رئيس (Piri Reis) من خريطة للعالم عام 1513م بما فيها القارة الأمريكية المكتشفة في وقته، ولكن للأسف الشديد لم يبق من تلك الخريطة سوى الجزء الذي يحوي المحيط الأطلسي وطرفيه الشرقي والغربي. لكن هذا الجزء المتبقى من الخريطة أثار ضجة بين العلماء، فقد ذكر بيري معلومات لم يذكرها أحد ممن زار تلك المناطق الجديدة في ذلك الوقت.
ومما جاء في تلك الخريطة:
- هذه السواحل تسمى سواحل الآنتيل (آنتيليا)، وقد اكتشفت في سنة 896 هـ
- الناس هناك يأكلون لحم الببغاوات ويضعون ريشها على رؤوسهم.
- الأسبان يعاملهم سكان الجزر معاملة كريمة ويبادلونهم الكرات الزجاجية بالذهب.
- لغتهم غير معروفة ونتحدث معهم بالإشارات.
ونحن ندعو العلماء المسلمين المختصين باللغة التركية العثمانية المزيد من الاهتمام بها.

الوقف في الإسلام صورة مشرقة لإبداعات العقل المسلم

الوقف في الإسلام صورة مشرقة لإبداعات العقل المسلم

بقلم : إبراهيم نويري
انفردت حضارتنا الإسلامية البديعة بميزات وخصائص عديدة، هي أقرب الخصائص إلى روح الإنسان وفطرته وكينونته، كمخلوق متميّز متفرّد... فالمنحى " الخيري / الإنساني" يكاد يكون ميزة عامة تصطبغ بها منظومة هذه الخصائص من ناحيتي الأداء والمقاصد على حدّ سواء.
وما نظام الوقف الإسلامي إلا مَعلماً من تلك المعالم الإنسانية الرائدة، التي تمـيزت بها حضارتنا في التاريخ.
وعلى الرغم من أن أوروبا – كما نجد في تاريخ الحضارات – قد تأثرت بمفهوم الوقف الإسلامي وسماته النبيلـة، وذلك عن طريق نقاط التواصل والتماس معها، من خلال جامعات الأندلس، ومؤلفات علماء العرب والمسلمين الموسوعية، التي تمثل بواكير دوائر المعارف في التاريخ العلمي للإنسانية، حيث وجد عندها – كرجع صدى للوقف الإسلامي – ما يُعرف بنظام " الترست Trust "، وهو نظام شبيه بالوقف الإسلامي إلى أبعد الحدود، إلا أن نظام الوقف الإسلامي بخلفيته ومنطلقاته وغاياته، يظل منهجاً فريداً، وأسلوباً إنسانياً وخيرياً استثنائياً، تتميز به الحضارة الإسلامية والتشريع الإسلامي، قال الإمام الشافعي رحمه الله وهو يشير إلى هذه الميزة الإسلامية: " لم يحبس أهل الجاهلية داراً ولا أرضًا فيما علمت ".
تعريفات فقهية ضرورية:
من أسماء الوقف: التسبيل والتحبيس، وهو عند أبي حنيفة: " حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدّق بالمنفعة على جهة الخير ".
وهو عند الشافعية والحنابلة: " حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره، على مصرف مباح، أو بصرف ريعه على جهة بر وخير تقرباً إلى الله، وعليه يخرج المال عن ملك الواقف، ويصير حبيساً على حكم ملك الله تعالى ".
وهو عند المالكية: " جعل المالك منفعة مملوكة، ولو كان مملوكاً بأجرة، أو جعل غلته كدراهم، لمستحق بصيغة، مدة ما يراه المحبِّس، أي أن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي، ويتبرع بريعها لجهة خيرية، تبرعاً لازماً، مع بقاء العين على ملك الواقف، مدة معينة من الزمان فلا يشترط فيه التأبيد [1]".
ومثال المملوك بأجرة: أن يستأجر داراً مملوكة، أو أرضاً مدة معلومة، ثم يقف منفعتها لمستحق آخر غيره في تلك المدة، وبه يكون المراد من المملوك، إما ملك الذات أو ملك المنفعة.
يقول الفقيه الدكتور وهبة الزحيلي: " فالوقف عند المالكية لا يقطع حق الملكية في العين الموقوفة، وإنما يقطع حق التصرف فيها، وقد استدلوا على بقاء الملك في العين الموقوفة، بحديث عمر رضي الله عنه، حيث قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن شئت حبّّستَ أصلها وتصدّقت بها "، ففيه إشارة بالتصدّق بالغلة، مع بقاء ملكية الموقوف على ذمة الواقف، ومنع أي تصرف تمليكي فيه للغير، بدليل فهم عمر: " على ألا تباع ولا توهب ولا تورّث .. وهذا يشبه ملك المحجور عليه لسفه أي: تبذير وسوء تدبير، فإن ملكه باق في ماله، ولكنه ممنوع من بيعه و هِبَتِهِ، وهذا الرأي أدق دليلاً، وإن كان رأي الشافعية والحنابلة هو الأشهر عند الناس "[2].
والوقف في عرف الفقهاء قسمان: خيري، وأهلي (ذُرّي). وإن كانوا قد اختلفوا في بعض تفاصيل النـوع الثاني، فإنهم اتفقوا على جواز النوع الأول، الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن عمر أصاب أرضاً بخيبر، تسمى ( ثمغ )، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال يا رسول الله: أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فكيف تأمرني به؟ فقال له: إن شئت حبّستَ أصلها وتصدقتَ بها. فتصدق بها عمر رضي الله عنه – على أن لا يباع أصلها ولا يورّث – للفقراء والقربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف... كما اتفقوا أيضاً على أنه لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متأثل مالاً.
ويستدل البعض كذلك في إثبات مشروعية الوقف بقوله سبحانه عز وجل:
( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران /92
والواقع أن عمل الخير والسخاء والبذل في سبيل الله كان متأصلاً في الرعيل الأول من المسلمين وأجيال السلف الصالح. فقد روى الإمام أحمد – بإسناده – عن أبي إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه " بئر حاء "[3]، و كانت هذه البئر مستقبلة المسجد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يدخلها ويشرب منها، لأن ماءها كان رائقـاً طيباً. قال أنس: فلما نزل قوله تعالى: (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )).. قال أبو طلحة: يا رسول الله. إن الله تعالى يقول:" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " وإن أحب أموالي إلي  (بئر حــاء)، وإنها صدقة أرجو بها برها وذخرها عند الله تعالى. فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( بخٍ بخٍ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين)).
فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمومته ( أخرجه البخاري و مسلم).
ونحن هنا لا نريد التفصيل في آراء الفقهاء كثيراً ، وبسط وجهات نظرهم المختلفة والمتنوعة إزاء هذا الموضوع، بقدر ما يهمنا إجلاء الخصائص النفعية، والسمات الخيرية، في نظام الوقف الإسلامي، ومدى آثـار وانعكاسات هذه الخصائص على مطلب التكافل الاجتماعي، الذي دعا له الإسلام وحثَّ عليه بشدة وتركيز ظاهريْن.
يقول المفكر المسلم الراحل فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: " ولقد عرف المسلمون، أن الإسلام دعا إلى الوقف الخيري، من حيث كان دين فطرة، ثم من حيث دعا دعوة ملحة إلى البر بالناس، وإلى الصدقة الجارية في نصوص كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ." فمضوا بهدى الفطرة وآداب الدين يوقفون أموالهم على المستشفيات، وعلى المساجد، وعلى التكايا والأسبلة، وعلى دفن الموتى، وختان الأطفال، وعلى إعانة الفتيات على الزواج، وعلى التعليم والسياحة في الأرض، والرحلة لأداء فريضة الحج، وعلى كفالة الفقير واليتيم والمحروم، وعلى كل غرض إنساني شريف، بل لقد أشركوا في برّهم الحيوان مع الإنسان؛ و لقد تأخذ أحدنا الدهشة وهو يستعرض حجج الواقفين ( أهل الوقف ) ليرى القوم في نبل نفوسهم ويقظة ضمائرهم ، وعلوّ إنسانيتهم، بل في سلطان دينهم عليهم، وهم يتخيّرون الأغراض الشريفة التي يوقفون لها أموالهم، و يرجون أن تنفق في سبيل تحقيقها هذه الأموال "[4].
صور مشرقة من الوقف الخيري :
إن العمل الخيري في الإسلام ليس فقط تعبيراً فردياً عن صحو في الضمير، أو يقظة في العقل والنفس، وإنما هو – إلى جانب ذلك - روح اجتماعية سارية في أوصال الجماعة المؤمنة، وهو كذلك من لبـنات البناء الاجتماعي الفاضل، ومن ثم فقد أوجدت حضارتنا الأطر المناسبة للعمل الخيري، وذلك لتحقيق هدفين رئيسين :
الأول: كي يجد أهل الخير المجالات الملائمة لنفقاتهم وعطاءاتهم الخيرية، ويطمئنوا على أن بذلهم إنما هو ضمن السبيل المشروع.
والثاني: تغطية حاجة المـجالات المستحقة للنفقات، كترجمة عملـية حية لروح التضامن والتكافل، التي ينبغي أن تسود المجتمع الإسلامي في كلّ زمان ومكان .
ويمكن ملاحظة هذه السمات الإنسانية الرفيعة، و هذه الصفات الخيرية النبيلة، من خلال
الأطر الوقفية العجيبة التالية :
1ـ وقف الأعراس: وهو وقف لإعارة الحلي والزينة في الأعراس والأفراح، يستعير الفقراء منه ما يلزمهم في أفراحهم وأعراسهم، ثم يعيدون ما استعاروه إلى مكانه. وبهذا يتيسر للفقير أن يظهر يوم عرسه بحلة لائقة، ولعروسه أن تُجلّى في حلية رائقة، حتى يكتمل الشعور بالفرح، وتنجبر الخواطر المكسورة.
2ـ وقف مواساة المريض: وهو وقف فيه وظيفة من جملة وظائف المعالجة في المستشفيات، وقوامه أو أساسه، تكليف اثنين من الممرضين أن يقفا قريباً من المريض، بحيث يسمعهما ولا يراهما، فيقول أحدهما لصاحبه: ماذا قال الطبيب عن هذا المريض؟ فيرد عليه الآخر: إن الطبيب يقول عنه: لا بأس به وبحالته ، فهو مرجو البرء، بإذن الله، ولا يوجد في علته ما يشغل البال... وربما نهض المريض فعلاً – بفضل هذا الأسلوب المعنوي – من فراش مرضه بعد يومين أو أكثر.
3ـ وقف مؤنس المرضى والغرباء: وهو وقف يُنفق منه على عدة مؤذنين، من كلّ رخيم الصوت، حسن الأداء، فيرتلون القصائد الدينية طول الليل، بحيث يرتّل كلّ واحد منهم ساعة حتى مطلع الفجر، بهدف إيناس المرضى والغرباء. وإدخال السرور على النفوس، والتخفيف من الضغط النفسي، على الغرباء خاصة، وغيرهم ممن يحتاجون إلى هذا اللون من الرعاية الاجتماعية التكافلية.
4ـ وقف الزبادي: هذا الوقف تُشترى منه ِصحافُ وآنيةُ الخزف الصيني ونحوه ، فكلّ خادم كُسِّرت آنيته لسبب أو لآخر، وتعرض لغضب مخدومه، أو توقع ذلك منه، له أن يذهب إلى إدارة هذا الوقف، فيترك الإناء المكسور ويأخذ إناء صحيحاً بدلاً منه، فيسعفه هذا الوقف من تلافي غضب مخدومه عليه، وحفظ ماء وجهه وكرامته .
التكافل واجب و ضرورة :
يأبى الإسلام بقوة أن يُترك المحتاجون وذوو الفاقة والعوز، يواجهون مصيرهم لوحدهم، دونما تدخل من المجتمع والدولة وأهل اليسر، ولذلك فقد أوجب مبدأ التكافل الاجتماعي، وجعل منه مطلباً ينبغي القيام به، وضرورة أدائه على أحسن وجه لازم، وهو مطلب في ذمة المجتمع والدولة على حدّ سواء.
يقول الفقيه ابن حزم الظاهري في المحلّى: " وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك؛ فيقام لهم بما يأكلون من القوت، الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنّهم من المطر والشمس وعيون المارة.. "[5].
ومن إنسانية الإسلام البالغة، أنه لم يفرق في الإفادة من خير الأوقاف بين مسلم وكافر، ذمياً كان أو عابر سبيل.. فقد جاء في الأثر أن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان لها وقف وَقَفَتهُ على أخ لها يهودي.
وثمة أمر آخر وهو أن الإسلام، حين حث على مبدأ التكافل الاجتماعي، والعمل الخيري والإنساني والإغاثي، فإنه بيّن من جهة أخرى الموارد الأصلية والأساسية لتلك الحاجات والمطالب، وذلك مثل الزكاة والوقف والغنائم والركاز ... الخ.
ومع أهمية كل الموارد المذكورة، فإن الوقف يظل بمواصفاته وخصائصه، مورداً مميزاً نظراً لما ينطوي عليه من أساليب غاية في الابداع ، وللحرية المتاحة في مصارف الوقف، إذ إن أي مطلب شريف قد يطاله خير الوقف ونفحاته وبركاته .. فهل تحيي المؤسسات الوقفية القائمة الآن ما تلاشى مع الزمن من تقاليد إجتماعية وإنسانية نبيلة كانت ملاذاً وبلسماً للكثير من المحرجين في هذه الحياة ؟ نأمل أن يكون ذلك بأساليب جديدة أكثر إبداعاً وذوقاً وإنسانية .

شواهد من التاريخ على الإحسان إلى غير المسلمين

شواهد من التاريخ على الإحسان إلى غير المسلمين

لقد كان عهد الخلفاء الراشدين امتداداً لعهد النبي صلى الله عليه وسلم وشهد صوراً من سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين، من إعانتهم بالمال أو النفس عند الحاجة، ومن كفالة العاجز منهم عن العمل، كبير السن، وغير ذلك، وأسوق هنا بعض الشواهد والأمثلة التي تبين سماحة الصحابة رضي الله عنهم في معاملة غير المسلمين.
1- في خلافة أبي بكر رضي الله عنه كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه في عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق - وكانوا من النصارى - : "وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله"(3).
إن الذين يسعون إلى تقرير التكافل الاجتماعي وبيان صوره لن يجدوا أعظم من هذه الصورة في الإسلام مع مخالفيه، فهو يتسامى بمن يعيشون في كنفه ويحوطهم برحمته وإحسانه عندما يحتاجون إلى مواساة لأي سبب من الأسباب، بل يجعلهم عيالاً على بيت مال المسلمين ويرضخ لهم منه أياً كانت ديانتهم.
إن التكافل الاجتماعي في الإسلام لا يرضى أن يذل رجل من أهل الذمة، وهو يحيا في كنف الإسلام فيعيش على الصدقة يتكفف الناس، ولكن الإسلام يحميه ويكرمه، ويوجب على الدولة أن تعوله وتعول عياله(4).
2- كان أبو بكر رضي الله عنه يوصي الجيوش الإسلامية بقوله: "وستمرون على قوم في الصوامع رهباناً يزعمون أنهم ترهبوا في الله، فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم"(5).
3- أوصى عمر رضي الله عنه الخليفة من بعده بأهل الذمة أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم(6).
4- مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلي ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه، أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه(7).
5- إن السماحة في المعاملة يجب أن تكون في ضوء ضوابط الشرع ومقاصده، ومثل ذلك يتطلب أن يكون المسلم على بصيرة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة من الصحابة والتابعين في هذا الشأن، فمن صور السماحة في المعاملة: ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه لما قدم الجابية من أرض الشام استعار ثوباً من نصراني فلبسه حتى خاطوا قميصه وغسلوه وتوضأ من جرة نصرانية(8).
6- ومن السماحة أن يراعى في معاملتهم كل مصلحة وقصد صحيح، فعن عبدالله بن قيس قال: كنت فيمن تلقى عمر بن الخطاب مع أبي عبيدة مقدمه من الشام، فبينما عمر يسير إذ لقيه (المقلسون) وهم قوم يلعبون بلعبة لهم بين أيدي الأمراء إذا قدموا عليهم بالسيوف والريحان، فقال عمر رضي الله عنه: مه، ردوهم وامنعوهم، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين هذه سنة العجم أو كلمة نحوها، وإنك إن تمنعهم منها سروا أن في نفسك نقضاً لعهدهم، فقال: دعوهم، عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة(9).
وفي ذلك دليل على أن هذا الدين ما جاء إلا بالرحمة، والهداية، وإنقاذ البشر من الضلال إلى الهدى، ومن ظلمات الكفر إلى نور الطاعة، ولا عجب فمن مدرسة النبوة تخرج هذا الصحابي وغيره، ممن لا يؤذون الناس بل يغمرونهم بعطفهم ورحمتهم وسماحتهم وإحسانهم.
7- عن مجاهد قال كنت عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وغلامه يسلخ شاة فقال: "يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى خشينا أو روينا أنه: سيورثه"(10).
8- وفي خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إلى عدي بن أرطأة: "وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه"(11).
وهذا لون من السماحة في المعاملة والعدل الذي لا يعرف له وجود إلا في الإسلام؛ لأنه قائم على احترام الإنسانية ومعرفة حقوقها(12).
9- وعندما أمر عمر بن عبدالعزيز رحمه الله مناديه ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها وقام إليه رجل ذمي من أهل حمص فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله قال: وما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبدالملك اغتصبني أرضي، والعباس جالس، فقال له عمر: يا عباس ما تقول؟ قال: نعم، أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد، وكتب لي بها سجلاً، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله تعالى، فقال عمر: نعم كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد، قم فاردد عليه ضيعته، فردها عليه(13).
10- وفي عهد الرشيد كانت وصية القاضي أبي يوسف له بأن يرفق بأهل الذمة حيث يخاطبه بقوله: "ينبغي يا أمير المؤمنين - أيدك الله - أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك، وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم ، والتفقد لهم حتى لا يظلموا، ولا يؤذوا، ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ من أموالهم إلا بحق يجب عليهم"(14).
إن من يقرأ القرآن الكريم يعلم حقيقة السماحة في الإسلام في أعظم قضية جاء بها الإسلام وهي قضية التوحيد، حيث عرض لها القرآن بأسلوب سمح سهل يدركه كل عاقل، ويستدل على حقائق الإيمان بما يحسه الناس ويدركونه بأيسر طريق.
وعبر تاريخ دولة الإسلام كان يعيش في داخلها غير المسلمين في مراحل قوتها وضعفها، فلم يجبروا على ترك معتقداتهم، أو يكرهوا على الدخول في الإسلام، والقاعدة العظمى في الإسلام أن لا إكراه في الدين؛ ولذا فقد عاش الذميون وغيرهم في كنف دولة الإسلام دون أن يتعرض أحد لعقائدهم ودياناتهم(15).
إن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه، أو مصادرة حقوقهم، أو تحويلهم بالكره عن عقائدهم، أو المساس الجائر بأموالهم وأعراضهم ودمائهم، وتاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض(16).
الهوامش:
1- انظر: عقد الذمة في التشريع الإسلامي، محمد المطرودي، ص: (17).
2- الدعوة إلى الإسلام، توماس آرنولد، ص: (99).
3- كتاب الخراج، أبو يوسف، ص: (306).
4- انظر: الموسوعة في سماحة الإسلام، ج1, ص: (446).
5- فتوح الشام، الواقدي، ج1, ص: (8).
6- رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما رقم الحديث: (1392).
7- كتاب الخراج، أبو يوسف، ص: (126).
8- أنظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ج1و ص: (153، 157).
9- كتاب الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، ص: (180).
10- رواه البخاري في الأدب المفرد، باب جار اليهودي، وصححه الألباني، انظر: صحيح الأدب المفرد، الألباني ص: (72) رقم الحديث: (95).
11- كتاب الأموال، أبو عبيد، ص: (57).
12- أنظر: الموسوعة في سماحة الإسلام، محمد الصادق عرجون، ج1, ص: (211).
13- أنظر: البداية والنهاية، ج9, ص: (213).
14- الخراج، أبو يوسف، ص: (125).
15- أنظر: تلبيس مردود في قضايا حية، د. صالح بن حميد، ص: (30).
16- التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، ص: (6).
د. بدر ناصر البدر
تاريخ الإسلام شاهد على أن المسلمين لم يُكرهوا أحداً في أي فترة من فترات التاريخ على ترك دينه، فالإسلام دين العقل والفطرة، ولا يقبل من أحد أن يَدخله مكرهاً، تحدى الأولين والآخرين بمعجزته الخالدة، ولم يعرف في تاريخ المسلمين الطويل أنهم ضيقوا على اليهود والنصارى أو غيرهم، أو أنهم أجبروا أحداً من أي طائفة من الطوائف اليهودية أو النصرانية على اعتناق الإسلام(1)، يقول توماس آرنولد: "لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي"(2).

هكذا كانوا يوم كنا

هكذا كانوا يوم كنا

 
 لوحة جدارية لمستشفى ألماني يعود إلى القرن السادس عشر يمكن رؤية المرضى بجانب بعضهم بعضاً في غرفة كبيرة ويظهر أحد الأطباء وهو يتفقدهم
 
بيمارستان قلاوون بالقاهرة
 
بيمارستان حلب

الدكتور حسان شمسي باشا
طيب وكاتب إسلامي سوري مقيم في السعودية
للمسلمين فضل لا ينكر على الحضارة الإنسانية قاطبة، ولا سيما على حضارة الغرب المعاصرة.
 فلقد نبغ علماء المسلمين في شتى العلوم والمعارف ، ويخطئ من يظن أن المسلمين كانوا مجرد نقلة ، نقلوا التراث الإغريقي فقط ، ذلك لأنهم قد استوعبوه وهضموه وفهموا أسراره ومضامينه ، وأضافوا إليه ومزجوه بعلوم الإسلام والقرآن .
وشهد الله ما ذكر ذاكر حضارة العرب  إلا استهلت بعبراتنا الشؤون ، حسرة على من كانوا رسل خير ورحمة ، وحملة علم وعرفان ، أن تذهب جهودهم الإنسانية سدى على يد من خلفوهم في الحضارة ، فرجعوا بالفضيلة قرونا إلى الوراء .
وفي مجال الطب نبغ المسلمون في علوم الطب وفروعه ، وألفوا فيه الكتب والمراجع وابتكروا الآلات الطبية ، وأقاموا المستشفيات الثابتة والمتنقلة . واتسم العمل بالمستشفيات بالطابع الإسلامي ، والطابع الخلقي والإنساني بما يفوق نظام العمل بأرقى المستشفيات في بلاد الغرب .
ومن مفاخر الإسلام حقا أن أول المستشفيات في الإسلام كانت خيمة رفيدة ، و هي امرأة كانت تداوي الجرحى ، وتحتسب بنفسها على خدمة من أصابته الجراح من المسلمين . ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين أصاب سعد بن معاذ رضي الله عنه السهم في غزوة الخندق:
" اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب " .
ولما تتابعت الفتوح كان الجيش مضارب فيها الممرضات من النساء يداوين الجرحى ، وهذا من جهادهن .
وكان العرب يسمون المشافي ( بيمارستانات ) ويخففونها فيقول مارستانات . وهي في الأصل كلمة فارسية معناها " معسكر المرضى ".
وكانت البيمارستانات من أول عهدها إلى زمن طويل مستشفيات عامة ، تعالج فيها جميع الأمراض والعلل من باطنية وجراحية ورمدية وعقلية ، إلى أن أصابتها الكوارث ، ودار بها الزمن وهجرها المرضى فأقفرت إلا من المجانين، فصارت كلمة مارستان تعني مأوى المجانين
وفي الوقت الذي كانت فيه المشافي تشاد في كل مدينة من المدن الإسلامية ، كانت أوروبا تغرق في ظلام الجهل والتخلف .
وكان من أشهر المشافي في أوروبا في القرون الوسطى مستشفى " أوتيل ديو " في باريس . وقد جاء ذكره في كتاب ألفه " ماكس نوردو " قال فيه عن هذا المستشفى :
" كان يستلقي في الفراش الواحد أربعة مرضى أو خمسة أو ستة. فترى قدمي الواحد في جانب رأس الآخر. وكان الأطفال الصغار إلى جانب الشيوخ الشيب. حقا إن هذا لا يصدق، ولكنه الحقيقة والواقع. كانت المرأة تئن من مخالب المخاض إلى جانب رضيع يتلوى من التشنجات ، ورجل يحترق في هذيان الحمى إلى جانب مسلول يسعل سعلته الجارحة ، و مصاب بإحدى الأمراض الجلدية يمزق جلده الأجرب بأظافره الثائرة .
كانت رائحة الهواء في قاعات المرضى فاسدة حتى أن الزوار ما كانوا يجرؤن على دخولها إلا بعد أن يضعوا على وجوههم إسفنجة مبللة خلا . وتبقى جثث الموتى أربعا وعشرين ساعة في الفراش .  وقد وصفه في القرن الثامن عشر باللي ويتنون ولافوازيه في تقريرهم وصفا تقشعر منه الأبدان ، إذ رأوا الموتى جنبا إلى جنب مع الأحياء ، كما رأوا الناقهين مختلطين في غرفة واحدة مع المحتضرين ، وكانت غرفة العمليات حيث الشق والقطع والبتر تأوى الذين تعمل لهم العمليات في الغد . فكانت تعمل في وسط الغرفة نفسها ، وكان المريض يرى أمامه تحضيرات العذاب ويسمع صراخ المعذبين ، فإن كان ممن ينتظر دوره في الغد كانت أمامه صورة أوجاعه المقبلة . وإن كان ممن مر بهذا الجحيم كان أمامه منظر يذكره بالأوجاع التي قاساها ".
ولم تعمل يد التحسين في هذا المستشفى الذي أنشئ عام 660 م إلا بعد الثورة الفرنسية عام 1789 م .
هكذا كانت حال أحد أشهر مشافي أوروبا في العصور الوسطى كما يصفها الدكتور أحمد شوكت الشطي، فماذا كانت حالة  مستشفياتنا التي كان يطلق عليها البيمارستانات ؟
يقول المؤرخون إن المشافي العربية والإسلامية كانت  تكرس للرضيع والوضيع ، والملك والمملوك ، والجندي والأمير .
وكان الخلفاء والأمراء والسلاطين وذوو الجاه يتبارون في بناء المشافي حتى أصبح في كل مدينة من المدن الكبرى في الإمبراطورية العربية الإسلامية مستشفى عام واحد على الأقل للعناية بالمرضى . وكان البيمارستان مؤسسة حكومية يقوم بنفقاتها أحد الخلفاء أو الأمراء.
كان المرضى يفحصون في المستشفى فيعطون من لا يحتاج إلى الاستشفاء فيه وصفة تحضر في صيدلية المستشفى. أما المرضى الذين يحتاجون إلى دخول المستشفى، فتدون أسماؤهم لقبولهم، ثم يستحمون، ويـبقون في المستشفى حتى الشفاء التام، وعلامته أكل رغيف من الخبز وفروج كامل !!
وعندما يخرجونهم يعطونهم ثوبا مع كمية من الدراهم لتقوم بنفقاتهم الضرورية خارج المستشفى. وكان الناس يتمارضون رغبة منهم في الدخول إلى المستشفى والتنعم بما فيه . وكان الأطباء يغضون الطرف أحيانا عن هذا التحايل
قال خليل بن شاهين الظاهري في كتاب " النجوم الزاهرة " بعد أن زار دمشق :
" وبها بيمارستان لم ير مثله في الدنيا، وعندما دخلت دمشق سنة 831 هـ كان بصحبتي رجل أعجمي من أهل الفضل والذوق ، فلما دخل البيمارستان ، تمارض وأقام به ثلاثة أيام ورئيس الأطباء يتردد إليه، فلما فحصه وعلم حاله وصف له ما يناسبه من الأطعمة الحسنة والفواكه والحلوى . وبعد ثلاثة أيام كتب له الطبيب كلمة جاء فيها :
إن الضيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام، وهذا يوحي بأنه أدرك أنه متمارض، ومع ذلك فقد عامله كأحد الضيوف "
وكان لكل مستشفى عام أروقة خاصة للذكور والإناث . وخصصت فيها شعب للحمى والإسهالات والجراحة والتجبير والإصابات العينية وغيرها. وألحق بأكثر المستشفيات حمام عام . ومن أقسام المستشفى صيدلية يشرف عليها صيدلي مجاز ، ومجهزة بالأدوية والشرابات والعقاقير المختلفة .
وجهز كل مستشفى بمكتبة تضم المفيد من مخطوط أبقراط وجالينوس وأطباء المسلمين، يجتمع فيها الأساتذة والطلاب بعد جولة الصباح على المرضى .
وكان للمستشفيات أوقاف تعولها، وكانت الإدارة الطبية يرعاها الطبيب الأول يعاونه رؤساء مختلف الشعب، ويعاون هؤلاء معاونوهم وتلاميذهم.
وانتشرت البيمارستانات انتشارا كبيرا في العالم الإسلامي، وكان منها نوعان :
النوع الأول: وهو البيمارستان الثابت. ومن ذلك بيمارستان النوري الكبير بدمشق  
               وبيمارستان قلاوون بالقاهرة .
النوع الثاني: وهو البيمارستان المحمول. وهو الذي ينقل من مكان إلى آخر بحسب
               انتشار الأمراض والأوبئة والحروب.

وبلغ من اهتمام الأمراء بالبيمارستان أن بعضهم كان يشرف بنفسه على سير العمل فيها، ومن هؤلاء أحمد بن طولون الذي اعتاد أن يتفقد أحوال المرضى في كل يوم جمعة في البيمارستان العتيق .
ولم تكن رسالة البيمارستان قاصرة على الرعاية والعلاج، وإنما امتدت لتشمل إعداد الأطباء، وتأهيلهم فكان بمثابة جامعة تخرج الأطباء، ويتبعون ما يطلق عليه في الوقت الحاضر اسمفريق العمل Team Work  حيث يشترك أكثر من طبيب في تشخيص الحالة وعلاجها. وهذا المنهج الإسلامي هو الأصل الذي نشأ عنه ما يعرف في الوقت الحاضر في مجال العمل الطبي باسم  مؤتمر الحالة Case Conference  حيث يجتمع عدد من الأطباء والأخصائيين ويدرسون حالة مريض معينة ، ويبدي كل منهم رأيه ، ويتبادل الجميع الخبرة والمشورة .
أما المجاذم : فقد خصصت لعلاج المجذومين ، و أول مؤسسة عرفت في بلاد العرب هي مجذمة الوليد بن عبد الملك في دمشق سنة 88 هـ ، ثم تعددت المجاذم بعد ذلك . وتعد المجاذم العربية أول دور عولج فيها المصابون بالجذام معالجة فنية، وكان الدخول إليها غير تابع لقيد أو شرط، بينما كانت المجاذم في الغرب مخصصة لفئة من الناس. وكان على المقبول فيها أن يدفع رسما باهظا وأن يصطحب معه ما يحتاج إليه من مقاعد وأسرة وأواني الطعام والشراب .
وأما بيمارستانات الأمراض العقلية فقد تأسست في زمن الأمويين للعناية بالذين أصابهم مس أو اعتراهم ضعف عقلي . فقد كان المسلمون يعتبرون المعتوهين معدمين وعالة على إحسان الدولة ، لأن إصابتهم بقضاء من الله وقدره.
ولقد جاء في صك الأوقاف التي حبس ريعها لصالح المستشفى النوري أو العتيق بحلب أن كل مجنون يخص بخادمين فينزعان عنه ثيابه كل صباح ، ويحممانه بالماء البارد ، ثم يلبسانه ثيابا نظيفة ويحملانه على أداء الصلاة ، ويسمعانه قراءة القرآن يقرؤه رجل حسن الصوت ، ثم يفسحانه في الهواء الطلق .
أما في أوروبا، فكان المجانين يحرمون من دخول المستشفيات، وكانوا يقيدون بالسلاسل في بيوت الجنون، تلك البيوت التي كانت شرا من السجون، فيبقون فيها حتى ينتهي أجلهم !
فهل أتاك بعد هذا كله أن الغرب سبق حضارتنا بقرون حين اهتدوا إلى المستشفيات ؟
ولعلنا في الختام نذكر كلمة " رينان " التي يقول فيها :
" ما دخلت مسجدا قط إلا اعتراني خشوع يمازجه أسف على أني لم أكن مسلما "
فيتمنى أن يكون مسلما من ذلك الطراز: طراز نور الدين وصلاح الدين.
فإلى شحذ الهمم ودفن الظلام، نسأل الله أن يهدي المسلمين في كل مكان